صورة بالأبيض والأسود
بقلم/ أيمن دراوشة
التّصنيف / رعب – غموض
الجزء الأول
في زاوية مظلمة من سوق شعبيّ مكتظ، استرعى انتباه “نضال” شيء غير مألوف. كاميرا قديمة بألوان باهتة وغطاء جلديّ مهترئ كانت معروضة على طاولة صغيرة بين أكوام من الأشياء العتيقة. حملها بين يديه وأحس بثقل غريب، وكأنّها تحمل ذكريات لا يعرفها. البائع العجوز أومأ برأسه وقال بابتسامة مبهمة: “تأخذها وستكتشف بنفسك قيمتها.”
أعاد نضال الكاميرا إلى المنزل، وأشعل ضوء مكتبه. تأمل النّقوش المحفورة على الجوانب، ورأى كلمات غامضة بحروف لم يستطع فهمها. قرّر تجربة الكاميرا، فخرج إلى شرفته المطلّة على شارع مزدحم. التقط صورة لمشهد عابر: طفل يركض خلف طائر.
في المساء، أحضر نضال أدواته لتحميض الفيلم. كان قد ورث حب التّصوير من والده الرّاحل، لكنّه لم يكن يتوقّع أنّ ما سيظهر أمامه على الورق الفوتوغرافي سيغيّر حياته.
الصّورة الأولى
ظهرت الصّورة بوضوح: الطّفل الّذي صوّره في الشّارع، لكنّ الطّائر لم يكن موجودًا، بل كان بدلاً منه درّاجة ناريّة مسرعة تكاد تصدمه. في اللحظة الأولى، ظنّ نضال أنّ الكاميرا بها خلل. لكنّه قرر الاحتفاظ بالصورة.
في اليوم التّالي، وبينما كان جالسًا في شرفته، سمع صراخًا في الشّارع. نظر إلى الأسفل، ورأى المشهد بعينه: الطّفل نفسه يركض خلف طائر، وفجأة، تظهر الدّراجة النّارية المسرعة وتكاد تصدمه قبل أن ينقذه أحد المارّة.
تسارعت نبضات قلب نضال. هل يمكن أن تكون الكاميرا… تتنبّأ بالمستقبل؟
الغموض يزداد
بدأ نضال يلتقط المزيد من الصّور. صور أصدقائه، جيرانه، وحتى نفسه أمام المرآة. كل صورة كانت تحمل شيئًا غريبًا، شيئًا لم يحدث بعد، لكنّه كان يتحقّق بدقّة مخيفة.
في إحدى الصّور، ظهرت صديقته “نورا” جالسة على مقعد في الحديقة، تتحدّث مع رجل غريب. بعد يومين، اكتشف أنها التقت بذلك الرّجل الّذي كان يعرض عليها فرصة عمل.
الثّمن الباهظ
مع مرور الوقت، لاحظ نضال شيئًا مرعبًا: كلّما التقط صورة جديدة، بدأ ينسى تفاصيل صغيرة عن حياته. اسم أحد أصدقائه، لحظة سعيدة مع عائلته، أو حتّى تاريخ ميلاده. وكأنّ الكاميرا تأخذ منه شيئًا مقابل كلّ صورة.
قرّر التّوقف. لكنّ الكاميرا لم تتوقّف. ذات ليلة، استيقظ على صوت نقرة. وجد الكاميرا ملتقطة صورة له أثناء نومه. عندما حمّض الصّورة، رأى نفسه في مشهد غريب: يقف في شارع مهجور، ووجهه غير واضح.
المواجهة الأخيرة
بحث نضال عن إجابات. عاد إلى السّوق، لكنّ الطّاولة الّتي اشترى منها الكاميرا اختفت. سأل البائعين الآخرين، لكنهم قالوا إنّ الرّجل العجوز لم يكن هناك منذ سنوات.
بدأ يزور مكتبات قديمة، يقرأ عن أساطير تتحدّث عن كاميرات تسرق الأرواح. وجد في إحدى الكتب إشارة إلى كاميرا شبيهة بكاميرته، قيل إنها “تحفظ اللحظات، لكنها تستهلك الزّمن.”
قرّر نضال التّخلّص من الكاميرا. أخذها إلى جسر عالٍ ورماها في النّهر. وقف يراقب الماء وهو يبتلعها، وشعر لأول مرة منذ أسابيع بخفة. عاد إلى منزله معتقدًا أنّ الكابوس انتهى.
الصّورة الأخيرة
في صباح اليوم التّالي، وجد على مكتبه صورة حديثة. كانت الصّورة له، يقف على الجسر، لكنّ خلفه كان يظهر شخص غامض يحمل الكاميرا.
Discussion about this post