اصبح الثّقب الاسود حقيقة مرئيّة، متى نعترف بذلك الثّقب الأسود الّذي يتوسّط عقولنا؟ ذلك البئر المظلم الّذي يبتلع قوانين المنطق والعقلانية والمعرفه ليترك عقولنا مسطّحه بلا عمق، إتّكاليّه، يقينيّه، جبانه لا تجرؤ على السّؤال والتشكّيك، تهتمّ بالتّوصيف دون التّحليل، والتّوقف عند التّفاصيل دون الاستنتاج.
ثقب حفرته معاول الجهل والتّلقين والموروث ويزداد عمقاً مع الأيّام..
تسألني عنا سأجيبك نحن
نتمترسّ في سجون أفكارنا، نخبويّون، لا يعجبنا العالم، نقضي نصف يومنا في نقده. هل سيوقف عويلنا متوالية الأخطاء في حياتنا؟ هل ستبني تلك الجُمل النّقدية الفخمة عالماً جميلاً تمنيناه؟
العالم متوالية كان الرّقم الثّاني فيها خطأ، لذلك كلّ الارقام التّالية المحشورة هناك بلا معنى. ستسألني ما هو الرّقم الاول؟ وما هو الثّاني الخاطيء؟ الأوّل كان الوجود الذي أسّس لتلك المتوالية، والثّاني هو نحن، وعينا.
الوعي جريمة الطّبيعة الشبيهه باختراع القنبلة الذّرية. امتلكنا الوعي وإدراك العالم قبل ان نمتلك القدرة على تغييره، ثم ادراكنا المتأخر أن أيّ تغيير يجلب معه انفلات ومشاكل جديدة لن تنتهي. أصبحت الأسئلة أكثر من الأجوبة. تسَيَدنا القلق والحزن والخوف. نريد الكمال في العمل والحب واسلوب الحياة، لنكتشف ان الطاولة مُعَدَة سلفاً، يتوسطها طعام غريب لم نختاره، وكل ما علينا فعله هو ان نأكل ونمضغ برتابة حيوان مجتر. مصيبتنا الاخرى نحن الذين نسكن تلك المجتمعات الشرقية المنبوذة المركونة عند حافة العالم، ان من قام بإعداد تلك الطاولة هم اقلنا وعياً وفهماً، لذلك نجحوا في تسيدنا بعد ان تخلصو من عقدة الادراك وتفرغوا للصعود للقمة.
تسألني كيف وصل هؤلاء الاقل منا وعيا للتفكير عنا
ساجيبك
لماذا يفشل الاذكياء وينجح البسطاء في القيادة والتأثير والتحشيد في مجتمعاتنا؟
علينا التسليم اننا مجتمع شعبوي، كحال اي مجتمع عربي إسلامي متخلف، تثيرنا الكلمة المغمسه بالقداسة، يشدنا الخطاب الواعظ المشبع بالقيم الأخلاقية، مهما كان سطحياً وبلا فكرة او مغزى، نعشق المراثي والبكائيات لنجلي بدموعها ما تراكم في الوجدان من مرارة ايامنا، تَهمُنا الأُسَر والالقاب والتي تحيل كل ما يقال الى جمال وعمق وحكمة. هذه المهارات لا تحتاج لذكاء بقدر ما تحتاج لفم كبير واصرار على خداع الناس، بينما من يتحدث بلغة الأرقام والإحصاءات والبرامج وتحديد مواطن الخلل لن يسمعه احد، فوعي الجمهور بسيط ولا يستسيغ المعقد من الكلام. نتفهم كلام الواعظ المصلح لو ذَكَرنا بأنا عصاة ابتعدنا عن طريق الله، ولا نقبل من متخصص مفكر لو قال اننا متخلفون بلا مستقبل، فالرجوع لطريق الله لا يتطلب سوى بعض الانضباط والخضوع بينما التخلف افه لا تغادر إلا بتغيير اجتماعي كبير ورفع ركام هائل من موروث غير قادرين حتى على الاقتراب منه فكيف بنقده وتجاوزه.
بقلم د بوخالفة كريم الجزائر
Discussion about this post