رميتُ السّهمَ في نارٍ فعادَ إلى قلبي ملطَّم،
كأنَّ ذكراكَ تحرقُني، وكأنَّ شوقي لا يُرحَم.
طفولتي ضاعتْ بينَ يديكَ،
كنتَ فيها الحلمَ الّذي احتضنتُه،
وكنتَ الحكايةَ الّتي كبرتُ عليها،
وما زلتُ أعيشُ تفاصيلها، وأبكيها.
كبرتُ، ولكن لم يكبرْ في قلبي نسيانُكَ،
فكيف أنسى من كانَ لي عمراً؟
كيف أمحو ملامحَ وجهٍ
حفرتْهُ الأيامُ في مقلتي؟
أذكرُ كيفَ كنّا نركضُ بلا نهاية،
كيفَ كنا نضحكُ على أشياءٍ بسيطةٍ،
وكيفَ كنتَ تأخذُ بيدي
كأنّكَ العالمُ الّذي لا ينكسر.
أبكيكَ،
كما يبكي الطّفلُ حضنَ أمٍّ فُقِدت،
وأناجي الليلَ بأن يعيدكَ،
ولو لحظةً واحدةً لأروي عطشي،
فغيابُكَ ما زالَ يقتلني.
يا ليتَ الطّفولةَ تعودُ يوماً،
لأحتضنَ حبًّا سكنَ القلبَ صغيراً،
لأخبركَ أنَّ الحياةَ بدونكَ خواء،
وأنَّ قلبي مذ فارقتَني، صارَ أسيراً.
كم مرَّ الشّتاءُ بلا دفءِ صوتكَ،
وكم عبرَ الرّبيعُ دونَ أن تُزهِرَ خطواتُكَ،
كأنَّ المواسمَ توقفتْ مذ غبتَ،
وكأنَّ الحياةَ أغلقت أبوابَها خلفكَ.
أذكرُ الرّسائلَ الّتي لم تُكتَب،
والكلماتِ الّتي خنقها الخوفُ،
كم تمنّيتُ أن أقولَ: “ابقَ معي”،
لكنَّ طفولتي كانت أضعفَ من أن تحتجزَكَ.
يا من كنتَ البدايةَ
وأصبحتَ النّهاية،
ما من بعدِكَ إلا وجعُ الذّكريات،
وما من بعدِكَ إلا عمرٌ
أقضيهِ بالحنين والبكاء.
أراكَ في أحلامي طفلاً كما كنتَ،
وأسمعُ ضحكتَكَ بين أروقةِ قلبي،
لكنكَ سرابٌ لا يقترب،
وحبٌّ لا يموتُ، رغمَ أنّكَ قد انتهيتَ.
لو أنكَ تسمعُ أنينَ الحنين،
لو أنكَ ترى كيفَ كسرتَ السّنين،
لكنتَ عدتَ لتجبرَ قلبي،
ولكنَّك مضيتَ… وتركتَني سدى.
عز الأندلسي
Discussion about this post