عنوان القصة: “بودكاست الظل”
كانت هدى، الصحافية الطموحة، تنظر من نافذة شقتها إلى سماء المدينة الرمادية، بينما تحيطها دفاتر مكدسة وأجهزة تسجيل متناثرة. منذ أن أطلقت بودكاستها “في الظل”، أصبحت حياتها سلسلة من ألغاز لا تنتهي. في ليلة شتوية باردة، وصلتها تلك الرسالة الصوتية المجهولة التي غيرت كل شيء.
“إذا أردتِ أن تعرفي الحقيقة، ابحثي عن قضية رقم 999- ب في أرشيف المحكمة. لكن احذري، بعض الأبواب يجب أن تبقى مغلقة.”
صوت الرسالة كان مشوبًا بضجيج غامض، كأنه قادم من مكان بعيد، أو ربما من عالم آخر. لم تكن الرسالة وحدها مريبة، بل حتى توقيتها. كانت قد نشرت لتوها حلقة عن قضايا مهملة، لكن تلك الرسالة لم تُشِر إلى موضوع تناولته من قبل. بدا الأمر وكأنه دعوة شخصية.
في صباح اليوم التالي، دخلت هدى إلى أرشيف المحكمة. كان المكان باردًا وصامتًا، وعندما طلبت القضية رقم 1923، لاحظت نظرات الموظف المرتبكة. استلمت الملف بعد انتظار طويل، لكن الأوراق بدا عليها القدم، وكأنها لم تُفتح منذ عقود.
الجريمة: قتل مالك قصر “المرآة السوداء” على يد خادمه الشخصي. لكن التفاصيل لم تكن منطقية. شهادات الشهود كانت متناقضة، وأدلة الاتهام بدت سطحية. اكتشفت هدى اسمًا متكررًا في الشهادات: “رُقية”، مدبرة المنزل التي اختفت بعد الجريمة دون أي أثر.
قررت أن تجعل هذه القضية محور حلقتها القادمة. زارت القصر المهجور في إحدى الليالي، رغم التحذيرات المتكررة من سكان المنطقة. بدا القصر كمخلوق حي: نوافذه كانت سوداء كعيون فارغة، والجدران متآكلة كأنها تنزف ذكريات قديمة.
بدأت هدى تسجيل حلقتها داخل القصر. الهواء كان ثقيلًا، كأنه محمَّل بأصوات لا تستطيع الأذن إدراكها. وبينما كانت تتحدث أمام جهاز التسجيل، سمعته أول مرة: همس خافت، كأنه شخص يردد كلمات غير مفهومة خلفها. التفتت، لكن المكان كان فارغًا.
في إحدى الغرف، وجدت مرآة ضخمة، حوافها مزخرفة بنقوش غريبة. عندما اقتربت منها، شعرت بشيء غريب، كأنها تُراقَب. وعندما نظرت، رأت انعكاسها، لكن لم يكن وحده. خلفها، في الزاوية، كان هناك ظل يتحرك. تجمدت مكانها، لكنها قاومت خوفها.
مع كل حلقة جديدة من البودكاست، ازدادت الرسائل المجهولة. إحداها تضمنت صورة ضبابية لرُقية، تقف بجانب تلك المرآة. مَن كان يرسل تلك الرسائل؟ ولماذا؟
في الليلة التي كانت تحرر فيها الحلقة الأخيرة، سمعت صوتًا واضحًا في التسجيل:
“ليس هو… أنتِ قريبة جدًا.”
لم تنم هدى في تلك الليلة. شعرت أن الظلال تطاردها. وفي صباح اليوم التالي، وجدت باب شقتها مفتوحًا على مصراعيه، وعلى الطاولة كانت هناك مرآة صغيرة، محفور عليها كلمة واحدة: “صمت.”
اختفت هدى بعد أيام من نشر الحلقة الأخيرة. كل ما تبقى منها هو بودكاستها، الذي أصبح حديث العالم. جمهورها يتساءل: هل كانت هدى ضحية لما كشفت؟ أم أن الظل أخذها؟
وفي آخر تسجيل على حسابها، الذي ظهر فجأة بعد اختفائها، كان هناك صوت واحد فقط، همس بشدة:
“لا تبحثوا عن الحقيقة… فهي ستجدكم.”
ربيعة بوزناد
Discussion about this post