كتبت/ د. زينب السقا
ذكر الفنان ياسر ماهر في اكثر من لقاء أنه قام بتأليف مسرحية بعنوان “قارون ” ، استمعت إليها باداء جلال الشرقاوي . عبدالغفارعودة. عادل هاشم. مي عبد النبي. محي اسماعيل. إسلام فارس والمخرج أحمد سليم. وأشعار محمد علي ماهر.
قدم المؤلف عملا فنيا إبداعا تأتي من وحي الروح والتعمق لفهم روح النص القرآني ليرسم شخصيات إنسانية أبدعها بروحه متأثرآ بتصوفه وبالوالد المبدع محمد علي ماهر.
المسرحية تراجيدية في قالب تاريخي ديني.
في عدة مشاهد تجسد استعادة لروح إبليس بداية من غواية إبليس لٱدم ولقابيل وابن نوح والنمرود ويبدا إبليس يبحث عن انسان يغويه فينزل علي القرية الٱمنة المطمئنة… التي يتعبد بها قارون
يقابل ٱشير المنافق كمنفذ للدخول إلي نفوس أهل القرية وايقاظ الفتنة في نفوسهم.
يتمتع أهل القرية بجو من االسكينة والمناجاه لله سبحانه وقارون يتعبد في محرابه. تقتحم هذه السكينة روح إبليس بمساعدة ٱشير وينسج حبال فتنته لأهل القرية عن طريق ايقاعهم في المراهنات والاقتراض
حوريب تشم رائحة الفرقة والفتنة تذهب لقارون طالبة منه النزول الى الجموع تحاوره لإقناعه يتخاذل تتهكم .
يراهنها إبليس أن قارون هو الفتنة عينها في حبكة رائعة يرسمها الكاتب بأنها ستعرف أنه فُتن بضياع جمال صوته بالمقابل أن تلبي له طلبا يطلبه منها .. وتوافق حوريب.
تهتز ذات إبليس عندما يصعد لقارون أنه لابد أن ينجح هذه المرة ويتنكر في زي عابر سبيل يبدأ معه الحوار في منحنيات تارة يصعد به عنان السماء ويهوي به حتي يصل به إلي أن يجعله يترك عبادته ويفكر أن يصبح حبرا لموسي بدلا من هارون .
لكن أهل القرية غارقون في المعاصي ولم يتلفتوا لقارون حين طلب المساندة ليكن حبرا لموسي ، ينصرفون عنه لا يجد سوي إبليس. يقنعه أنه علي الحق وبالباطل ستعود له الجموع .
أصبح شاءول كبير حراس قصر قارون وإبليس أصبح كبير المنجمين يؤكد لقارون أنه احتكر كل ما في القرية من رؤوس أموال ومعظم الجموع إلا بعض العجائز منهم .ويبدءا في تنفيذ مكيدة لقتل ٱشير .
وتأتيه البشري بنصر شاءول على ديار يهوذا
المشهد السادس.. يذهب قارون مختالا متبخترا مع الجميع ليحتفل بالنصر علي ديار يهوذا
تفاجأ حوريب وإفرايم أنه جاء إليهم ناقضا كلامه معهم عن الزكاة معاندا في كفره حتي يكشف إبليس عن رهانه وحوريب وعليها أن تنفذ ما يطلبه منها ان ترقص امام الجميع ، وتفيٍ حوريب بالرهان لكنها تختار أن ترقص مع راءوبين ، مما يشعل نار الحقد في نفس شاءول و يقتل اخاه بعد نزال
إبليس يكشف لقارون عن حقيقته في حوار دقيق مخيف ينتهي بادراك قارون أنه هالك لا محالة … يأتي عليه مظاهرة الانين ….يخسف بقارون في قصره وحيدا .
قارون الشخصية الرئيسية يًظهرها الكاتب من زهدها وعبادتها حتي شركها والخسف لتكن عبرة للعالمين .
العزلة أدت به الأنا وعلو ذاته وعندما طلبت حوريب منه النزول الجموع تخاذل ورفض وقال ليس دوري إنما دور موسي ، لتكون رسالة الكاتب هنا ان العبادة لها جانب اجتماعي ونفعي للآخرين بداية التحول في شخصية قارون.
حوريب تكتشف أنه لا يستطيع تغيير المنكر بمجرد كلمة ويستبد الحقد بقارون علي هارون في محاكاة حقد إبليس علي ادم .
حرك إبليس نفس قارون نفس المشاعر التي كانت في نفسه يوم أن عصي الله برفضه السجود أدم.
بعد فقدان قارون لصوته ادرك ان الجموع تعبد الذهب وعلي انقاض محرابه بنى قصره الجديد .
أما الحب في حياة قارون تملأ الحيرة عين قارون وقلبه فيدور الصراع بين العقل والعاطفة من ينتصر ؟
كان قارون بين شقي رحي يعتصره الصراع. أينتصر حب حوريب حتي بعد الكفر والشرك؟ أيظل رغم كفره وشركه علي حبه لها؟
استطاعت حوريب بحبها أن تنبه ضميره للحظات بالتوبة والأوبة إلي موسي ودفع الزكاة لكن إبليس تمكن منه وأقنعه بخطورة دفع الزكاة وستفقده تميزه بين الجموع.
يتخاذل قارون ويفضل المال على مشاعره فلم يأبه عندما ضربها كبير حراسه بل وتواطأ علي قتل ابيها.
ويبدأ بالشك والتوجس في كل من حوله حتي كاد أن يصل إلي الجنون
في حين وضع الكاتب إبليس في حالة تنكر دائمة أولها كعابر سبيل ثم السيد الضيف ثم التاجر والشيخ والسيد الملهم حتي يكون كبير المنجمين .
أما الفتاة الجميلة المؤمنة القوية المناضلة دائما حوريب كانت صوتا للحق فلم تتبدل ولم تتغير ،ظلت قوية حتي لحظة خسارة رهانها مع كبير المنجمين
الحبكة الدرامية أبدعها الكاتب بشكل فني ، ناسجاّ خيوطها متماسكة ، من خلال احداث متتالية دون ملل او إسراع ، من خلال لغة حوار التي تميزت بالدقة و التكثيف . كما استخدم الكاتب اللغة القرآنية لتأتي في سياق متناغم.
جاءت الحبكة والعقدة متماشية مع الصراعات معبرا عنها الحوار داخل الشخصيات لا يمكن توقع ما يفعله كيف استدرج إبليس الشخصيات لتقع في فخه.
تعرضت المسرحية لقضايا وأمور متنوعة منها
1- تدخل إبليس بغواياته أولها إهداء الهدايا وإغراء الجميع بمضاعفة الهدايا والرهان ثم باللهو والإلهاء والمقامرة وعندما يعترض البعض تكون الإجابة أننا نلهو فقط. وبالتالي إثارة الضغائن في النفوس .
2- العزلة ومعاناة وصراع النفس البشرية في العبادات وتأثير الوحدة علي النفس وتغير نظرة الإنسان لكل شيء بعيدا عن من حوله …فلا يري إلا نفسه وأراءها هي وفكرها .
3- دفع الزكاة اعتمد الكاتب علي الحوار بالأدلة العقلية والبراهين -الشيطان بعدكم الفقر- التي جعلت قارون يرفض الدفع.
4- الرهان كان سببا في اقتراف كل الموبقات الذي ينطوي علي الفوقية فكلا المتراهنان يريد أن يفوز على الاخر ويثبت له أنه أفضل منه.
5- الاحتكار . كقضية اقتصادية مؤثرة في حياة الشعوب.. فقد كان قارون يسيطر على كل مصادر رأس المال من الزراع والصناع والتجار ويأخذها لخزائنه .
6-سيكولوجيا الجماهير عبر عنها الكاتب بعبارات كقول حوريب ..أنتم هكذا دائما ترفعون قاتليكم إلي الأعناق هاتفين لهم بالمجد ثم تهوون بهم إلي هوة سحيقة من اللعنات. وأخري قالها إفرايم .تقتصون من القادوم إذ يكسر أعناقكم وتتركون اليد وصاحبها.
الجموع ينساقون وراء العاطفة بلا فكر و تدبى فيسهل تحريكهم بالصوت تارة وبالدهب اخري كأن يعطي لهم بعض المال ليلهيهم به عن أفعاله.
9- شخصية المرأة نظرة الكاتب للمرأة نظرة مليئة بالتبجيل فلم تكن رمزا الغواية. بل إيجابية مؤمنة.
وأخيرا … أزمة المسرح العربي ليست أزمة كتابة كما يريدها البعض .. لكنها أزمة بيروقراطية موظفين لا علاقة لهم بالفكر أو بالثقافة.
لذا ندعو الله ونطلب من المسؤولين أن نري هذا العمل الجيد على خشبات المسرح مدويا بلغته وأفكاره وجمالياته ورعته.
Discussion about this post