مِن المُخجِل أن أتحدَّثُ أنا في هذا الموضوع على وجه الخصوص فالمُخلِصون صِدقاً هم الأولى بذلك ، كما أنه من الواجب توافُر الأهلية «علماً ،وعملاً ،وحالاً »على المُتحدِّث في هذا الصدد ،أمَّا عني فإنِّي أتحدثُ من باب المسؤولية لا من باب الأهلية يُجسِّدُني هذا البيت
وغير تقياً يأمر الناس بالتُقى*** طبيبٌ يُداوي الناس والطبيبُ عليل
نستهل بتعريف الرياء وبيان موقعه من الأثآم
أولاً/ الرياء: وهو فعل الخير لإرادة الغير أو إظهار طاعة لا بقصد التقرُّب إلى الله إنما بقصد التقرب إلى الناس ، والمرائي هو القائم بفعل «الرياء» لنيل مكانة عند الناس..
ثانياً / موقع «الرياء» من الأثآم يعد من الشرك الأصغر ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟! قال« الرياء»..
هنا نتوقَّف لبُرهة لنطرح عدة أسئلة ، ماذا لو فتَّش كلٌ منَّا عن حال قلبه أهو خالص لله أم كبَّلتهُ الدُنيا؟! وماذا عن مُعاملاتِنا وعبادتنا احظيت بمرتبة القبول عند الله أم ألجمتها عقول باتت تمُّن بها على الله كما لو أنها أفضلية والله تعالى يقول( إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إلَى رَبِكُم مرجِعُكُم فَيُنَبِئكُم بِمَا كُنْتم تَعْملون إنَّهُ عَليمٌ بِذَاتِ الصُدُور) ،وأنا على يقين تام أن إجابة تلك الأسئلة ستجعلنا نقف خلجى مِن كرم الله علينا وستره لنا رغم عِصياننا إياه ..
من ثَمَّ فإن للمرائي علامات ذكرها الإمام علي بن أبي طالب تتمَّثل في شيئين هما :
1/أنه ينشط في الطاعة والعبادة والعمل إذا كان بين الناس ويفتر عن الطاعة والعبادة ويتكاسل إن كان وحده..
2/أنه ينشط في الطاعة والعبادة وفعل الخير ،إذا أثنى عليه النَّاس، ثم إذا ذمه الناس ولم يثن عليه أحد توقف عن فعل الخير وعمل الطاعة لله عزَّ وجل..
كما أن ل«الرياء» نوعان
1/ما كان بأصل الإيمان وهو المُظهِر للإيمان والمُبطن للكُفر ،وهذا النوع يعد أخطر الأنواع إذ أنَّهُ يُخرِج صاحِبهِ من الملة بإتفاق أهل العلم ..
2/ما كان بالعبادات مع الإقرار بالوحدانية لله تعالى، وخِصال هذا النوع خمس بجمع روايتي ( أبي هريرة+ عبدالله بن عمرو) وهم { إذا حدَّث كذب+ إذا وعد أخلف+ إذا أؤتمن خان+ إذا عاهد غدر+ إذا خاصم فجر}..
ولِعظم هذا الإثم تحتم علينا معرفة عواقبهُ ،التي على رأسها “إحباط العمل” فقد يكون العمل عظيم عند الناس وحقير عند الله لا قيمة له ،لان صاحبهِ إبتغى بهِ الخَلق وليس الخالق والعكس صحيح قد يكون العمل حقير عند الناس وعظيم عند الله كما في قصة « البغيَّة » التي سقت الكلب فدخلت الجنَّة، حيثُ أنَّ الذي يجمّل العمل ويؤهله إلى مرحلة القبول هو ” الإخلاص” فقد قال الله تعالى ( فَمَنْ كَانَ يَرجُوا لِقاء ربه فَليعمل عملاً صَالحِاً ولا يُشرِك بِعبادةِ ربه أحدا) ، وقد وضَّح لنا رسولنا الكريم عاقبة ” الرياء” فقال 🙁 من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فإنه رد) أي من إبتدع في ديننا ما ليس فيه فهو مردود غير مقبول عند الله ،إذ أن العمل لا يُرفع إلا بشرطان ( الإخلاص لله، الإتباع) ،قال الله تعالى( إليهِ يَصعَدُ الكلمُ الطَيبِ والعملُ الصالحُ يرفَعهُ) ..
كما أن [العمل لغير الله] ينقسم إلي ثلاثة أقسام:
1/أن يكون العمل رياءاً محضاً من أوله إلى أخره وهذا العمل حابط بإتفاق العلماء..
2/الشروع في العمل والقصد إبتغاء وجه الله فيه ثم طرأ عليه رياء وهذه المسألة إختلف فيها السلف على أن كان عمله حبط بالكليه أم إحباط العمل الذي به رياء فقط هو الذي حبط؟! ومن رحمة الله بنا قال كلٌ من[ الإمام أحمد والطبري والحافظ إبن رجب وبعض السلف] بترجيح أن العمل ليس حابطاً إنما يُحاسب على أصل نيته مادام يُجاهد نفسه..
3/الإلتباس مِثالاً لذلك، كون خطيب أو داعية يرى إقبال الناس عليه وإستبشارهم به فيشعر بلذة في قلبه فيُخيل له أن هذا رياء قد وقع فيه، وحُكم هذا أن مادامت أعملُنا خالصة لوجه الله فليس من الرياء في شيء
خِتاماً نذكر الدواء وطُرق الإستشفاء من هذا الداء
1/الإستعانة بالله على تحقيق الإخلاص بالتضرع والتذلل والدعاء وفي هذا لا نغفل عن ذكر نموذج وهو سيدنا إبراهيم فقد كان دوماً يدعوا بهذا ( وإِذْ يَرفَعُ إبرَاهِيمُ القَواعِد مِنْ البَيتِ وإسْمَاعِيل رَبْنَا تَقَبَل مِنَّا إنَّكَ انتَ السَميعُ العَلِيم) ..
2/معرفة عواقب الرياء في الدُنيا والآخرة وهو خذلان المرائي وإحباط عمله غير أن الله سيُعاقبه بنقيض القصد وسُخرية الناس منه وقد ثبت هذا شرعاً، قال صلى الله عليه وسلم ( من سمَّع سمَّع الله به ومن يُرائي يُرائي الله به)..
3/بالمجاهدة لإصلاح القلب قال الله تعالي ( يَومَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ ولَا بَنُون إِلَا مَنْ أتَى الله بِقَلبٍ سَلِيمْ) فإجتهد لإصلاح قلبك بالمراقبة والتتبع الدائم لمعرفة العطب وتطهير القلب منه، وبكثرة حضور مجالس العلم ،والمحافظة على العبادات، وكثرة الذكر ،والإستغفار ، والدعاء ،نسأل الله لنا ولكم الإخلاص والقبول..
Discussion about this post