بقلم سمر علي
مِمَّا لا شك فيه أن التعدُّد قضيةٌ دَسِمةٌ تدور حولها عدةُ شُبهات سنتحدث عن بعضٍ منها..
ولكن أولاً ينبغي علينا إثبات مشروعيته التعدُّد في الإسلام ،قال الله تعالي في كتابه العظيم ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا) وذاك دليل قطعي حول إباحة التعدُّد غير أنه يدور مع الأحكام التكليفية الخمسة( واجب، مُستحب، مُباح ،مكروه، مُحرم) كلٌ على حسب قرينة التعدد ، وقد ورد في السُنة النبوية عن نوفل بن معاوية الديلي قال (أسلمت وعندي خمسة نسوة فقال لي رسول الله اختر أربعاً أيُهنَّ شئت وفارق الأخرى) ..
كما أنه من الواجب علينا نحنُ كمُسلمات الإقرار بهذا الحُكم دون تعنُت أو سِجال فهو أمرٌ مُسلمٌ بهِ كما أنه لا ينبغي علينا مُعالجة إشكاليات التعدد من زاوية عاطفية فقط أو عقلية فقط إنما نقيس هذا على مِقياس الشرع فمن الناس من يرى أن التعدُّد شهوةٌ ذكورية ،ومنهم من يراه أنه إساءة وإجحاف للمرأة، ومنهم من يراه شريعة إلهية مُنصفة ..
قبل مجيء الإسلام كان التعدُّد غير محصور بعدد وكذلك الطلاق كان غير مقيد بعدد طلقات علي سبيل المِثال للرجُلِ أن يُطلق زوجته ويُرجِعُها متى يشاء ،أقبل الإسلام وحصر التعدُّد في أربعة زوجات« فَأنكِحوا مَا طَاب لَكُم مِن النِساء مَثنى وثُلاث ورُباع» ونستشهد أيضاً بقصة (غيلان الجاهلي) حينما أقبل على الإسلام وكان متزوج من عشرة نسوة فقال له النبي أمسك منهن أربعة وفارق الباقي، بل وقيد إسلامُنا التعدد بشروط وضوابط لِحفظ حقوق المرأة وكرامتها وهذا دليل قطعي علي وسطية التشريع الإسلامي، نذكُر الضوابط؛
1-تحقيق العدل بين الزوجات من خلال التسوية في الأمور المادية من نفقة وحُسن مُعاشرة ومَبيت « فإن خِفتُم ألا تَعدلوا فَواحدة» وقد حذرنا رسولنا الكريم وبيَّن لنا عقوبة من لا يعدل بين زوجاته فقال(من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط) رواه أحمد
2-القُدرة على الإنفاق فلا يحلُ شرعاً الإقبال على الزواج إلا بتوافر مؤن الزواج وتكاليفه لقول رسول الله «يا معشر الشباب من إستطاع منكم الباءة فليتزوج».
لِجهلٍ منك بدوافع إصدار هذا الحكم الشرعي «التعدُّد» قد تعتقد أن الإسلام دين ذكوري أباح للرجل مالم يُبيح للمرأة وهذه[ تعُدُ الشُبهة الأولى] في هذه القضية ،والحقيقي أن هذه المسألة لها جوانب شتى فالمرأة لا تستطيع فسيولوجياً ولا بيولوجياً التعدُّد حيث أثبتت الأبحاث العلمية أن إختلاط منيِّ رجُلين في رحم المرأة في نفس الفترة يُسبب لها مرض الإيدز وكذلك سرطان عُنق الرحم ناهيك عن إختلاط الأنساب وأن طبيعة المرأة عملياً وحياتياً لا تستوعب التعدد على عكس تركيبة الجنس الذكوري.
[الشُبهة الثانية] هي التضاد الظاهري بين آية( فإن خِفتم ألا تعدِلوا فواحدة) وآية( ولن تستطيعوا أن تعدِلوا بين النساء ولو حرصتم) والرد على هذه الشُبهة يتمثل في أن العدل المذكور في الآية الأولى هو الذي يدخل في قُدرة المُكلَف كتوفية الحقوق الشرعية من ( طعام، كساء ،مسكن) وكُل ما يتعلق بكرامة المرأة فقد جاء الخِطاب الشرعي به تكليفاً وإلزاماً، أمَّا العدل المنفي في الآية الثانية يُقصد به العدل القلبي إذ إنَّ الأمور القلبية خارجة عن إرادة الإنسان فلا يكون هُناك تكليف فيها وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول:( اللهم إن هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك، ولا أملك) وقد قال الله تعالي في هذا {فلا تميلوا كل الميل} أي: إذا مالت قلوبكم إلى واحدة دون غيرها، وهذا أمر لا مؤاخذة عليكم به، فلا يمنعكم ذلك من فعل ما كان في وسعكم.
[ الشُبهة الثالثة] منع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم «علي بن أبي طالب» من الزواج على «السيدة فاطمة »وهل هذه مزيةٌ لها أم أن هذا يعدُ إرتداداً من النبي عن إباحة التعدد؟!
الرد على هذه الشُبهة أن النبي قال في هذا موضحاً إني لا أُحرمُ حلالاً ولا أُحللُ حراماً غير أنه لا تجتمع بنت عدو الله ( بنت أبي جهل) وفاطمة بنت رسول الله عند رجُل واحد ، لأن ذلك قد يُسببُ لها فتنةٌ في الدين ،وفي هذا بُعد نظر للرسول غير أن[ علي] تزوج بعد وفاة السيدة فاطمة فديننا لا يقبل العُنصرية كما أن أحكامنُا لا تتحامل لأحد فالجميع سواسية .
[ الشُبهة الرابعة] إفتراءات صعاليق الغرب وهتافات تيارات النسوية بأن في التعدد إساءة وتعسُّف للمرأة!
الرد على هذه الشُبهة أن المراة قبل الإسلام كانت لا قيمة ولا مكانة لها ولا حقوق كانت كما السلعة تُباع وتُشتري بأبخس الأثمان، أتي الإسلام مُحافِظاً لها على حقوقها ومكانتها وكرامتُها غير أنه أتى بسورةٌ كاملة سورة [ النساء] لتوضيح الأحكام العامة الخاصة بها خِشيةً أن يقع عليها جور ولبيان عظيم مكانتها في هذا الدين، غير أنَّ المرأة ليست مُلزمة بقبول التعدُّد أي حسب طاقة تقبلها لهذا الأمر وحِفاظاً على كرامتها ما أن تعدى الزوج وبغى شُرِّعت الأحكام الآتية( الخُلع ، الطلاق لضرر، وحدد عدد الطلقات ثلاثة)
وفي هذا نعرض مثال فقد رأت زوجة الصحابي قيس بن ثابت زوجها يسير وسط أصحابه فلم يروق لها شكله فذهبت لرسول الله وقالت له أنها لا تُعيب دينه ولا خُلقه غير أنه لا تتقبله تُرى هل عنّْفها الرسول أم نفر من سطحية فكرها؟! إنظروا إلى رُقي فعل الرسول ورفقه فقد قال لها أن تُرجع لزوجها مهرهُ الذي أعطاها إياه وطلب من زوجها أن يُطلقها بكل يُسر لِتُصبح هذه أول قضية خُلع في الإسلام..
يسعى الغرب وأعداء الدين أن يُلبِسوا أحكامُنا الشرعية زي التعسف والعدوان لتنفيرنا من ديننا وتشكيكنا في ثوابته وبث الفرقة بيننا ،والناظر في قضية التعدُّد يجد أن للتعدد حِكم لا تُحصي إذ أنه يقضي على ظاهرة العنوسة ،وكذلك يصون الرجل من العلاقات المُحرمة ويُكثر النسل الإسلامي لذا فلنحذر هذا التلبيس!
Discussion about this post