(1)
وقررتُ أرجع لله
أهجر كل المعاصي
أتوب كأن الذي صار لم يصِرِ
————
وأغلق بوابة القلب…
فالعمرُ ما عاد يحتملُ
لونا من الحزن والكَدَرِ
————
تحدثني النفس…
خذ حظك اليوم منها
ومن بعدها ثُبْ على قدَرِ..
————-
وسرتُ لمقهى المدينة
في حيث تغنَمُ من وقتها
راحةَ البال او لذّة العُمُرِ..
(———2)
وكنتُ تعشقتُها قطعةََ…
كالشّكلاطة مبسمها..
رشقةََ من سنا الشمس والقَمَرِ..
———-
غزالٌ منَ الطّهرِ
لم تَتْرُكِ الزَّيْنَ
للبيضِ والحُور والشُّقُرِ والسَّمُرِ..
———
لماها على شفتيها
كما ريقة الطفل
تقطرُ من ثغره الباسم العَطِرِ..
——-
وتحسبُ في جَنَّةِ الخلد مَجلِسها
وهي تسكنُ قلبي
على رفرفٍ سُندسٍ خُضُرِ ..
————
(3)
تحاول عاشقة أن تُخَبِئ عني ملامحها
فذراع بجبهتها
يحجب الشمس شيئا على قدرِ..
———
تُرلوغ تثني يديها
وتسرق ولاّعة الوقت
ترقب منها عمود دخان على سفَرِ..
———
ووحده فوح سجائرها
يتراقص من حولها
كالفراش على ورق الزَّهَرِ ..
———
على الصدر تفاحتان
ووحدي أردّدُ:
من قال إن الغواية في طلّة الشجرٍ؟
(————4
يميل
بها سكرُها والصِّبَا
ميلان الصَّبَا بالغصون وإشراقة الثّمَرِ…
———-
وتَغمزُ في جفنها الكحلَ…
أقداحَ ليلٍ تسقي بغمضٍ
وتُسْكِرُ بالنّظَرِ..
———
وتدور بمقلتِها سكرةُ الحسن،
مَن قالَ:
إنَّ المدامة في الريق والثَّغَرِ؟
——-
واليوم ترحلُ…. عني تسافرُ
يعجبها صغرها ومفاتنها
وتعاندني ركبتاي ويعجزني كِبَرِي…
————-
رباعيات مرقمة من واحد إلى أربعة
كل رباعيات تكونت من أربع ثلاثيات
أو كل رباعية تكونت من أربعة مقاطع
وكل مقطع يتكون من ثلاثة أبيات
ابتكار هندسة لغوية وبناء مركبا
قد تكون القصيدة جنحت لهندسة التناظر والتفاعل
فمثلت الأولى الثابت، ومثلت الأخرى المتحول، الشكل، والمضمون
فهل هي هندسة الشعر؟
في هذا التقسيم الثلاثي ضمن الرباعيات كأننا أمام جيش نظامي
كل فرقة تحتلّ مكانها المخصص
فنعيش النظام والدقة العفويين وهذا لا يمكن أن يكون إلّا بفضل القريحة الوقّادة وطواعية اللغة لذا يمكن أن اقول أن حمد حاجي
هو شاعر القصيدة وليس شاعر البيت
أو المقطع ضمن نفس القصيدة
فالقصيدة بهذا البناء الهندسي الفني
هي كلٌّ لا يتجزّأ فهو مهندس يملك
أدوات بناء قصيدته بكل عناصرها وإيقاعاتها مع إحكام هذا البناء وهكذا حقق وحدتها العضوية
واستمرارية سيولتها ودفقها الإيقاعي والدلالي على مساحة أكثر من البيت وهنا امتدّت على ثلاثة أبيات
قد يكون هذا التقسيم الذي اعتمده الشاعر من معززات هندسة التناظر الشكلية، باعتبارها تمثل بنيات قارة تأخذ مواقعها الثابتة في التوزع البصري لمعالم خريطة القصيدة
كما اهتم الشاعر بموسيقى هذه القصيدة معبرا عن معرفة واسعة في البحور الشعرية وتألق وأبدع في هذا المضمار، وكان ( الوزن ) أحد العناصر البارزة في بنية القصيدة وتفنن في هذا المجال، فاستخدم تفعيلات بحر (المتقارب )،
وسميَّ كذلك لتقارب حركاته، ويتميز [هذا البحر بإيقاعه الموسيقيّ الواضح وبميله إلى الانتظام]
ومع ذلك فإن موسيقى اللغة عند الشاعر وردت أعلى من موسيقى الوزن والقافية وغيرها من عناصر الإيقاع الشعري في القصيدة
————
—1–في الرباعية الأولى من القصيدة
يعلن الشاعر توبته عن المعاصي
وأستغرب عن اي معصية سيقلع
ويتوب؟
(وقررتُ أرجع لله
أهجر كل المعاصي
أتوب كأن الذي صار لم يصِرِ)
وقرار التوبة ما زال قيد السرية
ولكن النفس الأمارة تدعوه إلى لقاء أخير وإلى التزود من الحبيبة تدعوه إلى تملّي محاسنها ورسم صورة ترضي غرور العاصي ريثما يقتنع قلبه بقرار التوبة وسمع نداء قلبه وذهب إلى مقهى المدينة حيث يجدها
صراع باطني بين الرغبة والتوبة…
——2—-في الرباعية الثانية
كأني بالشاعر يبحث عن وطن السلام والسكينة ولم يجده إلّا في وجه حبيبته السمراء(لم تَتْرُكِ الزَّيْنَ//
للبيضِ والحُور والشُّقُرِ والسَّمُرِ//)
وكأني أسمع عنترة يردد
وإني أعشق السمر العوالي
وغيري يعشق البيض الرشاقا..
فالشاعر يخبرنا ان الجمال تنازل عن جماله لجمال السمراء فازدادت جمالا وشموخا
وكم يهذي العشاق تحت وطأة حمى العشق!
—3—في الرباعية الثالثة
يواصل وصف السمراء هذه التي تراوغ
وتسوق الدلال ترغب في تمنّعٍ مصطنع
ومن هذا الجمال يخصّ بالذكر تفاح الصدر مع الدهشة والإدهاش
(على الصدر تفاحتان
ووحدي أردّدُ:
من قال إن الغواية في طلّة الشجرٍ؟)
والتفاحة مقرونة بالغواية
بل أبعد هي بوابة للغواية والحب والحرب
أليست الثمرة التي أكلها آدم وتحمل بسببها الخطيئة الأولى؟
أليست التفاحة من تسبّبت في حرب طروادة؟ فكيف إذا كانت تفاحتين؟
——4—في الرباعية الرابعة
يواصل الشاعر تصوير اعجابه بجمال السمراء وهي تأتي ببعض الحركات كالتمايل والغمز إنه يحضر حفل إغراء
متحسرا على الشباب الذي ولّى
ولسان حاله يردد اذهبي أنت الطليقة
عيشي شبابك واغنمي الصِّبا والجمال
والعمر قطار الاتجاه الواحد لن يسير إلى الوراء أبدا
(واليوم ترحلُ…. عني تسافرُ
يعجبها صغرها ومفاتنها
وتعاندني ركبتاي ويعجزني كِبَرِي… )
هل يتوب الإنسان عن الحب والرب من أوجد الحب على هذه الأرض وأمرنا بان نحب ونُحبّ؟
وكيف ينسى الشاعر أن الحب لا يعترف
بالفوارق كاللون والسن والجنسية والمكانة الاجتماعية؟
ولو أحبته هذه السمراء كما أحبها لتشبّثت به وقبلته كما هو
—-أختم بوقفة خاطفة مع القافية
القافية في هذه القصيدة تملك طاقات صوتية وإيحائية
فهي النهاية التي ترتاح اليها النفس.
شاعر متمكن من فنيات كتابة القصيدة
ويسعى من قصيدة إلى أخرى(انطلاقا من إلمامي بكتاباته) إلى تشييد عمارته الشعرية على أساس الحداثة دون قطع الصلة بالتراث الادبي العربي
فالشاعر ما توخى القافية المتناوبة والمتتالية ولا القافية المتجاوبة
بل اعتمد بكل إتقان القافية المتواطئة
وهي على حد تعريف اهل الذكر
[ضرب من القافية يعتمد على تكرار مفردة بعينها على نحو عمودي وفي نهايات السطور الشعرية]وكما أشار اليها الشاعر المغربي محمد بنيس إنها القافية التي تنادي توأمها في البيت الموالي أو الابيات الموالية] كما هو الحال في قصيدة (أرجع لله أهجر المعاصي)
لم يصرِ/الكدرِ/قدرِ/ العمر/القمر/السمر/العطرِ/خُضُرِ/قدرِ/سفرِ/الزهرِ /الشجرِ/الثمرِ/بالنظر/الثغرِ/كبرِي/
ويظل الحب والشعر من ضروريات
الحياة
ولنا في القصيدة حياة
ولا توبة لا على الحب ولا على الشعر
لنا نحن معشر الشعراء
دامت لك طواعية اللغة وسحر القصيدة
دكتور حمد الشاعر
بقلم الأديبة
فائزه بنمسعود
Discussion about this post