دراسة نقدية في قصيدة ( من اين ابدأ ) للشاعر ابو فؤاد الكيالي
بقلم
أ. لمياء العامرية
النص :
———–
مِنْ أَيْنَ أَبْدَأُ ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِنْ أَيْنَ أَبْدَأُ قِصَّتِيْ أوْ أَخـْتِمُ؟!!
هَلْ ظَلَّ سَطـْرٌ لِلْعَدَالَةِ أوْ فَمُ
مِنْ أَيْنَ؟!! هَلْ بَقِيَتْ هُنَاْ فَوْقَ الثََرَىٰ
أُذُنٌ تَعِيْ وَ مَحَاكِمٌ لَاْ تَظـْلِمُ؟!!
مِنْ أَيْنَ حِبْرِيْ يَسْتَهِلُّ و صَفـْحَتِيْ
– كَـ خَرِيْطَتِيْ – مَاْعَادَ فِيْهَاْ مَعـْلَمُ؟!!
طَمَسَتْ مَلَامِحَهَاْ جِرَاحٌ حُدِّدَتْ
دُوَلاًسُطُوْرُ حُدُوْدِهَاْ تَتَأَلَّمُ
مِنْ أَيْنَ أَبْدَأُ ؟!! و الحَقِيْقَةُ بَوْحُهَاْ
أَلَمٌ يُتَرْجِمُهُ لِسَانٌ أَعـْجَمُ!!!
و قَرِيْحَتِيْ فِيْهَاْ القَصَائِدُ أَنـْهَكَتْــ
ــهَاْ مُفـْرَدَاتٌ تاهَ فِيْهَاْ المُعـْجَمُ
فِيْ أُمَّةٍ قَدْ تَاهَ عَنـْهَاْ رُشْدُهَاْ
وَ اَحـْتَلَّهَاْ صَمَمٌ وَ حِسٌّ مُعـْدَمُ
عَمِيَتْ بَصَائِرُهَاْ و طَاشَ صَوَابُهَاْ
وَ اقْتَادَ خَطـْوَتَهَاْ ضَلَالٌ مُظْلِمُ
مِنْ أينَ أبدأُ؟!!كَيْفَ أُنـْهِيْ؟!!يَاْ تُرَىٰ
أَوَ بِـالأَخِيْرِ أَمِ البِدَايَةِ أَخـْتِمُ؟!!
آهَ الحِكَايَةِ فِيْ جِرَاحِ قَصِيْدَتِيْ
كَيْ يَشْعُرَ الحِسُّ البَلِيْدُ الأَبْكَمُ
#ابو_فؤاد_الكيالي ..
مفاتيح الدلالة في تحليل وتفكيك النص الشعري انما تبدأ من عنوان القصيدة باعتباره جزءا لا يتجزأ من النص ، ودلالة توحي بالكثير مما ياتي في متنها لغاية قفلتها
استنهض الشاعر ابو فؤاد الكيالي عناصر عديدة في بناءه الشعري منها اثارة العلاقة الجدلية بين الزمان والمكان كعلاقة تتوالد جدليا بين الانسان ووجوده وهويته ،، الذاكرة الزمكانية التي كانت المبعث الاساس لاستفزاز قريحة الشاعر وولادة قصيدته ( من اين ابدأ ) لم تكن ظاهرة وضوحا في المعنى العام للقصيدة الا ما يستقرأه الناقد الفطن ويدرك ابعاده اذ تتكشف امامه المحنة التي يمرّ بها الشاعر وسرّ تعلقه ذاكرةً ووجودا بالوطن وما آل اليه الحال اذ لا يمكن عزل الزمن ( قصتي ) في تشكيله الشعري واثره على البعد المكاني ما يجسد عمق الكائن الانساني واتصال وجوده بالعنصر الزمكاني في آن .
ويمكن ان نعدّ القصيدة كأحدى نصوص ادب ( الما بين ) ممتزجا ب ( ادب المحنة ) ويتضح ذلك جليا في عمق معاناة الشاعر وعميق مشاعره بالالم والوحشة والشكوى
من خلال البناء العام الذي جاءت به قصيدة ( من اين ابدأ) والذي ابدع فيها الشاعر في تحرير ذاكرته الزمانية من اطرها ومداها المكاني سابرا غور الذاكرة نحو الابعد والاعمق مستعيدا صورا وملامح تشكلت في ذاته وثورته التي ترجمها حرف شعره وادبه .
اكتنزت القصيدة على الكثير من اركان البناء البلاغي موظفا التشبيه الضمني والصريح ، والطِباق والمجاز والاستعارات المكنية وغيرها توظيفا يدل على عمق تجربته الشعرية
مدركا تمام الادراك قوة الطاقة التأثيرية في استخدام اسلوب الاستفهام بدءا من العنوان الى قفلة القصيدة ، ومبدعا في استخدام هذا الاسلوب ابداعا متميزا بثّ فيها ما يعتريه من جملة من المشاعر التراكمية المتداخلة تداخل الدلالات وترابطها وما تحتويه من مشاعر البوح والخوف والشكوى العميقة
ومن المعلوم ان اسلوب الاستفهام له شِقّين ، فاستفهام حقيقي يقصد من وراءه الطلب والاستفهام والاستعلام ،
واستفهام مجازي والذي يراد به ايصال معانٍ ودلالات واشارات يوجهها للمتلقي او المُخاطَب ويدرك مغازيها من خلال السياق البنيوي والتركيبي للنص ،
وهذا ما فعله الشاعر في تجسيد وترجمة معاناته وتجاربه الشعورية من خلال جملة متتالية من التساؤلات كوسيلة تتسع فيها المعاني والدلالات التي اغنت النص موظفا اسلوب الحوار الاستفهامي المركب والانتقالات الصورية والمشهدية الايحائية
وقد تبيّنت ابعاد تلك الدلالات في تنوع الادوات الاستفهامية منها .. ( هل ) والتي تفيد التصديق الاستنكاري مرتين ..
و ( الهمزة ) التي خرجت ضمن سياقها نحو النفي والعتب والانكار
غير ان اللازمة التي اعطت قوتها التأثيرية للنص ( من اين ؟ ) والتي تكررت خمس مرات كان القوة الخطابية الموجهة الاكثر تأثيرا وانفتاحا لمساحات استفهامية دلالية ابعد واكثر عمقا
ووتضح دلالات الشعور بالتيه والضياع والبحث عن الهوية في قوله :
وقريحتي ، فيها القصائد انهكتها
مفردات تاه فيها المعجمُ
في امّة قد تاه عنها رشدها
واحتلها صممٌ ، وحِسٌّ مُعدمُ
وظهرت جليا دلالات الشعور العميق بالعجب والتوبيخ
وازدراء ما وصلت اليه الحال مخاطبا الاخر الاعمق في حواره بقوله :
من اين ابدأ ؟ كيف انهي ؟ يا ترى !!
او بالاخير ، ام البدايةِ ، اختِمُ !!؟
والحقيقة ، انه يحاور نفسه .. ويدرك مدى عمق الجرح الغائر في اعماقه وعمق ذاكرته التي ترجمت ادب ( الما بين ) بين زمانٍ مضى ، وزمانٍ يطحن كل خلجاته ..ذاك هو صراع الذاكرة ومحنة الشاعر ( ادب المحنة ) التي تجلت في اروع لوحة شعرية متكاملة ختمها بقوله
آه الحكاية في جراح قصيدتي
كيف يشعر الحسّ البليد الابكمُ
فكانت القفلة مفتاح تأويل القصيدة
يعيدنا الشاعر المبدع ابو فؤاد الكيالي لقول الشاعر العربي الكبير محمد مهدي الجواهري في مطلع قصيدته ( اخي جعفر)
اتعلمُ ، ام انت لا تعلمُ ؟
بأن جراح الضحايا فمُ
فمٌ ، ليس كالمدّعي قولة
وليس ، كآخر يسترحمُ .
Discussion about this post