يخبرنا الحق -سبحانه- في قرآنه الكثير عن أنبيائه ورسله وما عانوه في سبيل نشر كلمة التوحيد وأوامر الله، وأصناف الكافرين وكبرهم وتكذيبهم لهؤلاء الأنبياء والرسل..
كما يخبرنا عن أصناف أخرى أمنوا بالرسل ثم انقلبوا على أعقابهم، يعصون أوامر الحق سبحانه، أو يتقولون عليه -سبحانه- بما لا يليق بجلاله كأن ينسبون إليه -سبحانه- صفات لا تليق بذاته، أو يجعلون له شريكا في الملك أو ينسبون له ولدا..
عندما مرض أبو طالب جاءته قريش تعوده وجاءه سيدنا محمد -صل الله عليه وسلم-، فشكوه إلى أبي طالب؛ فقال له: “يا ابن أخي ماذا تريد من قومك؟”
قال: “يا عم إنما أريد منهم كلمة تدين لهم بها العرب والعجم، كلمة واحدة”
فسأله أبو طالب: “ما هي؟”
قال: “لا إله إلا الله”
قالوا: “أتجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب” ونزلت سورة ص.
تبدأ سورة ص ب (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) وتختم ب ((إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ)،
تبدأ بالقسم بالقرآن الذي فيه تذكرة للعالمين
وتنتهي بالقرآن والتأكيد على ما فيه من التذكير للعالمين وتهديد الكافرين.
قالوا: المقصود بالذكر في الآيات القرآن.
وقالوا: النبأ هو الخبر العظيم.
وقالوا: بعد حين، أي بعد فترة قصيرة.
وقالوا: المقصود بالحين هو يوم القيامة.
وقال الشيخ الشعراوي رحمه الله:
إن التذكير بالشيء يأتي بسبب نسيان هذا الشيء، فالقرآن يذكرنا بالعهد الأول، عهد الفطرة ونحن في طور الذر، حين أشهدنا الله على أنفسنا (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) وكانت إجابتنا (قَالُواْ بَلَىٰ).
والله أعلم نقول:
إن الرحمن فطرنا على المفاهيم المطلقة كاستحقاق الله للعبادة في ذاته، وأنه لا إله إلا الله ولا رب سواه، وأشهدنا على أنفسنا، فبرحمته -سبحانه- أذن لنا بمعرفته فعرفناه..
وبطول الأمد والكبر والغرور والهوى، والشيطان الذي عرف الله وفي ملكوته عصاه، نسينا الشهادة الأولى بوحدانية وربوبية الله وتنزيهه -سبحانه- عن كل نقص، فمن البشر من أنكر وجود الله وهو الموجود قبل وجود أي وجود، قبل أن يكون لكلمة الوجود معنى ودلالة فهو -سبحانه- واجد كل الوجود.
فمنهم من تقول عليه بعد أن عرفوه، وحرفوا كلامه عن مواضعه وأخفوه، وجعلوا له صفات نقص بل أرادوا أن يفرضوا إرادتهم عليه فاستحقوا غضبه عليهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله..
ومنهم من جعلوا له جسدا، وجعلوا له ولدا وشريكا في الملك؛ فضلوا وأضلوا، -وسبحان الله- رب العالمين رب العرش العظيم..
فكان القرآن كلام الله الحق وكلامه سبحانه كله حق، تذكيرا للعالين بما نسوا من الفطرة السليمة أن لا إله إلا الله ولا رب بحق سواه.
والحين حينان، حين خاص قريب مؤقت بأسباب الله وحين عام (مؤقت بأسبابه لجمع معين في الدنيا ولهم أجمعون يوم القيامة).
واستمرار لرحمة الله، وحتى لا يأتي يوم القيامة كافر أو ضال أو مغضوب عليه يقول لله هكذا وجدنا آباءنا يعبدون، تأتي على كل فرد منهم لحظات وبمختلف الأسباب تمس فيها معاني الفطرة السليمة القلب ويشعر بالحق والحقيقة ويكون له الاختيار، وهو حين خاص لفرد في الحياة الدنيا..
ولجمع معين، حين تعلو كلمة لا إله إلا الله بالعمل الصالح وطاعة الله ورسوله في الدنيا على عين الأشهاد..
كما يأتي يوم القيامة على عين الخلق جميعا حين يكشف الحجاب فيدركون الحق والحقيقة حيث لا ينفعهم معذرتهم -وسبحان الله- مالك الملك والملكوت.
وسيدنا محمد – صل الله عليه وسلم – هو خاتم الأنبياء والمرسلين، أمده الله بكلامه وذكره، أخبره كم عانى الأنبياء والمرسلون من قبله وكيف أدوا ما عليهم في سبيل نشر كلمة التوحيد في الأرض فكان بكلام الحق له شاهد عليهم جميعا..
رسالته التذكير بحقيقة التوحيد، وتنقية المعتقدات من ضلالها وكشف المفاهيم من زيفها، وغسل القلوب من رانها، وتزكية النفوس من كبرها، وتطهير الأجساد من رجسها، يبشر من يطيع الله بالجزاء الأوفى وينذر الكافرين بعذاب أليم..
وبإذن الله أُعطى الحبيب للحقيقة (حقيقة التوحيد) وصفا وشرحا، أعطاها طرق العمل والعبادة، والكلام والسكوت والهمس، والدعاء والاستغفار والذكر، والنوم والاستيقاظ، أعطاها هيئة وظهورا في الظاهر للعين، وحقيقة تلهم في الباطن القلوب، فكان تجسيد حي لمعاني القرآن في أبلغ طريق للدعوة إلى سبيل الله، وكانت سنته كالنور الذي ترى به الأبصار حقيقة الأشياء نهارا وتهتدى به ليلا البصائر، كان سراجا منيرا (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا).
صلوات ربي وسلامه عليك حبيبي يا رسول الله، فأنت المنهج والدليل وأنت النور الهادي إلى طريق الحق المبين.
Discussion about this post