كتب د.بوخالفة كريم باحث في علم الاجتماع_الجزائر
“السيلفي” أو أخد صور للوجه عبر كاميرا الهاتف، بات جزءا من حياة الملايين، يمارسونه في مختلف المناسبات والأوقات.
وما زاد من تعلّق كثيرين به، هو القدرة على تغيير ملامح الوجه من خلال تقنيات الواقع المعزز والظهور بصورة يعتبرونها “أجمل”، عبر استخدام فلاتر وتطبيقات تجميل أطلقتها منصات اجتماعية عديدة مثل فايسبوك وسنابشات وإنستغرام وتيك توك.
مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، من الملاحظ أن العديد من الناس يلجؤون إلى استعمال “الفيلتر” في صورهم الخاصة ومنشوراتهم من أجل الظهور في صورة “أفضل”.
وإذا رصدنا واقعنا الراهن، نجد أنّ الثورة الهائلة فى مجال وسائل التواصل تُحدث اليوم تحوّلا لافتا فى معايير هذا الجمال.
السوشيال ميديا سمحت للناس العاديين فى التدخّل مباشرةً فى تحديد مفهوم الجمال، ما أدّى إلى تحوّلات كبيرة تستحق أن نقف عندها. «المثالية» لم تعد مصطلحا مقبولا بعدما أضحت وسائل التواصل ساحة مفتوحة يرتادها أيّ كان من أي مكان متسلحا بقدرته على التعليق والمشاركة والمقارنة وتسجيل قبوله ورفضه لهذا المعيار او ذاك ليحكم على تفاصيلك الجمالية بالجمال او القبح، لقد وضع هؤلاء المتصفحين نماذج جديدة للجمال فقط بكبسات زر.
هذا ماجعل الاشخاص يقارنون نفسهم بين مظهرهم الطبيعي والمظهر الذي يفرضه عليهم المجتمع الافتراضي اولا ثم الواقعي ثانيا وبهذا تتكون معايير خاصة بالجمال عبر السوشيل ميديا.
فيصبح هذا النوع من الاشخاص تحت ضغط كبير ويكونون غير راضين عن شكلهم الطبيعي ولايتقبلونه بتاتا، ويصير استعمال “الفيلتر” إدمانا من أجل إشباع الرغبة الشخصية في الظهور في صورة معينة تفرضها مواقع العالم الافتراضي، وإخفاء العيوب التي يراها الإنسان في شكله.
وفي حالة ما إذا زاد الأمر عن حده، يمكن أن يصل الأمر إلى إحساس الشخص بأن تلك الصورة التي يظهر بها في فايسبوك أو إنستغرام هي فعلا مظهره الواقعي. فإذا ما نظر هذا الشخص إلى المرآة، من المحتمل أن يتجنب النظر إلى نفسه تماما ويشعر بالخجل الشديد من شكله الخارجي.
ولعل “الفلاتر” باتت هوس الكثيرين لما تقوم به من تغيير التفاصيل والملامح بطريقة أجمل من الصورة الحقيقية ما يجعل الشخص يعتاد شكله الجديد.
صفاء البشرة، الوجه المحدد، العيون الواسعة، واحيانا تغيير لون العيون، الانف المرسوم كلها امور تعمل “الفلاتر” على تغييرها وتعديلها لدرجة تجعل الشخص يستسيغ شكله بالفلتر بشكل مضاعف.
استخدام الفيلتر ببساطة غالبا هي نتيجة عدم تقبل صورة الجسد .
لدينا في صورة الانسان عن نفسه ثلاث مستويات صورة الذات – صورة الجسد – الصورة الاجتماعية و كلها تشتغل وفق الصورة المثالية التي يسعى الانسان الوصول اليها ..و هنا يمكننا الاشتغال على فهم هذه الظاهرة . اما انه عدم قبول صورة الجسد ما يجعل الانسان في حالة عدم الرضا او الوصل الى تقدير الذات على مستوى الشعور بصورة الذات ، او هو البحث عن تقدير اعلى من خلال تقدير الاخر لجمالنا _ الرغبة في التقدير و الاعجاب الاقصى _ بحثا عن اشباع الصورة المثالية التي نشأت عن المستخدمين للفيلتر لاسباب قد تكون نتيجة الشعور بالنقص في مرحلة مبكرة جدا من حياتهم او ربما نتيجة البحث عن اشباع اكثر .
هناك ملاحظة حول متغير دخيل معاصر هو ارتياد السلوك الشائع ..اي اننا احيانا بدافع التقليد نفعل ما يفعله الاخرون .. احيانا انا شخصيا استخدم الفيلتر و اسأل نفسي لماذا .. انك جميل لا تحتاجه و مشبع اجتماعيا و ذاتيا و قريب من صورتك المثالية .. ثم لا اجد تفسيرا الا اننا احيانا نفعل الشيء لان الآخرون يفعلونه ..او رغبة في الاشباع الاقصى.
السعي حول الاشباع حالة لا منتهية ..لا مشبعة عندنا كبشر ..دوما هل من مزيد ! ثم لا ننسى ظاهرة التسويق الشخصي لشخصنة الفرد عبر شبكات التواصل الاجتماعي ..تجعلنا نبحث دوما عن ابهى اطار لشخصياتنا.
✍️الفلاتر والصحة النفسية.
كثير من الأبحاث الخاصة بعلم النفس يشير إلى أن هناك تأثيرا لفلاتر الوجه على الصحة النفسية للمستخدم وخاصة في عمر المراهقة. وتبين الدراسات أن الإفراط في استخدام تلك الفلاتر يمكن أن يؤدي إلى ما يسمى باضطراب التشوه الجسمي.
ان استخدام الفلتر قد يؤدي إلى الإدمان عليه بشكل سلبي.
لقد حذرت دراسات مختلفة من أثر السيلفي وتلك الفلاتر، وارتباطها في رفع خطر الاصابة بـ “اضطراب تشوه الجسد”، وانعكاسه على الصحة العقلية والبدنية للمراهقين وحتى الكبار، إذ حذرت الرابطة الألمانية لأطباء الأطفال والمراهقين من هذا.
وبينت أن الاضطراب يندرج ضمن اضطرابات الوسواس القهري، وفيه يشعر الشخص المصاب بقلق مفرط بسبب عيب في شكل أو معالم جسمه، ما يرفع خطر الإصابة بالاكتئاب أو محاولة الانتحار.
وتتمثل أعراض هذا الاضطراب في تدني احترام الذات والعدوانية والعزلة الاجتماعية، والهوس بشكل الجسد وأنظمة الحِمية الغذائية من أجل الوصول إلى الصورة المثالية للمشاهير والنجوم. وفي الحالات الشديدة قد يصل الأمر إلى حد إيذاء النفس ومحاولة الانتحار.
✍️من يستخدم الفلاتر اكثر النساء ام الرجال؟
بحسب بيانات مطوري الفلاتر تستخدم النساء الفلاتر اكثر والسبب في ذلك حسب بعض الأخصائيين الاجتماعيين هو تعرض النساء لتقييم اكبر من الرجال بناءا على مظهرهم الخارجي فنظرة الرجل للمرأة اليوم مقارنة بما يراه على الميديا جعلها محاصرة نفسيا بمقارنات.
فيما دراسة أخرى نشرت في مجلة “بودي ايمج” عن سلوكات السيلفي ونشرها عبر الانترنت، وجدت أن الفتيات والنساء بين عمر 16-29 اللواتي نشرن صور سيلفي لهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، شعرن بالقلق بشكل كبير وكانت ثقتهن بأنفسهن أقل، وكأنهن لا يملكن الجاذبية، وذلك بعد أن تمت المقارنة بالمجموعة التي استخدمت صورا سيطر عليها “الفلتر”، وجدوا أن الآثار السلبية أقل لمن تحكمن بظروف صورهن وقمن بتعديلها.
إن كل شخص ينظر الى ذاته بمفهوم ومنظور خاص به، وضمن معايير معينة، والذي ليس ضمن هذه المعايير قد يشعر وكأنه خارج هذا العالم وغير مقبول، فمثلا من يستخدم “فلتر” يصقل وجهه وينحفه يصبح مع الوقت لا يتقبل وجهه الحقيقي، وهو أمر مرتبط بالموضة وتغيرها، فشيوع هذه الاشياء مع المدة بين الناس يجعلها مقبولة بين الناس.
إن هذه الفلاتر تعطي الشخص هذه المعايير، والاشكالية التي تحدث في الاثر النفسي عندما يتتبع الشخص الموضة اكثر من تقبله لشخصيته الخاصة وشكله الطبيعي، ومع الوقت يبحث عن الجديد والمختلف.
وقد يصل لمرحلة من غياب القدرة لتقبل كل ما هو جديد، ويصاب بحالة من الاحباط ورفض الشكل
✍️لماذا نريد أن نصبح “أجمل”؟
شرّعت وسائل التواصل الاجتماعي أبواب الشهرة والانتشار لفئات كثيرة من المجتمع وخاصة ممن بات يطلق عليهم لقب “المؤثرين اجتماعيا”، لدرجة أن تأثيرهم بات يتخطى مضمون تخصصهم، ليصبحوا نموذجا يُتّبع في السلوك والمظهر.
وأصبح كثيرون يلجأون إلى عيادات التجميل للحصول على ملامح تشبه صور المشاهير المعدلة عبر الفلاتر أو تطبيقات التجميل أو حتى صورهم أنفسهم بعد التلاعب بها عبر التطبيقات. مواقع التواصل ساهمت في صنع معايير جمال غير واقعية وفي زيادة المحادثات حول المظهر
✍️تطور معايير الجمال
مسابقات الجمال والإعلانات والمجلات والسينما كانت ولازالت إحدى العوامل التي وثقت في أذهان الناس معايير خاصة بالجمال. أصبح كثيرون يقارنون أنفسهم بهؤلاء الأشخاص ويرفضون شكلهم الحقيقي محاولين الحصول على ملامح تشبه الآخرين.
إن الفئة العمرية ما بين 15 إلى 18 عاما هي الأكثر عرضة لتلك الضغوط النفسية لأنها تسعى للتشبّه بالمشاهير.
يسبب مؤثرين في الميديا بضعف لتقدير الذات وغياب مفهوم الرضا لدى متابعيهم الذين يرغبون بالتشبه بهم في الملامح او الجسد هؤلاء المشاهير يلعبون دورا بارزا في مجال الموضة وعمليات التجميل التي يروجون لها فيجعلون المتابع يشعر بقلة الثقة بالنفس والاحباط وشعور بالنقص لافتقاده لتلك المعايير الوهمية الجمالية المروج لها متمنيا الاقتراب منها.
✍️التكنولوجيا والنظرة إلى الجمال.
في الماضي، كان الرسامون والمصوّرون وحدهم يتحكّمون في القدرة على تعديل الصور، واعتمدها سياسيون وفنانون كثر، من أجل التأثير السياسي، أو إظهار القوة، أو ببساطة للسيطرة على انطباعٍ المتلقي. حتى المجلات تضع منذ القديم الى يومنا صور لفنانات ذوات اجساد جميلة للتاثير في الزبون.
هذه القدرة باتت في متناولِ الجميع الآن، عبر الهاتف.
ان استخدام الفلاتر لم يعد من الطابوهات، بل أصبح مقبولا في المجتمع ولا يجد المستخدمون حرجا في إظهار تحسينات في صورهم علنا. كثيرون ممن نلتقي بهم يفضّلون الظهور بشكل جمالي مثالي بحسب اعتقادهم بدلا من استخدام صورهم بشكلها الحقيقي دون تعديلات فهمهم الوحيد هو الصورة الخارجية لاجسادهم كان ذلك يعبر عن استثمار في الشكل.
Discussion about this post