°عصر التفاهة
بقلم: د. بوخالفة كريم _ الجزائر🇩🇿
نحن نعيش عصر التفاهة وللتفاهة صناع ومستهلكين!هكذا يقولون !
حيث كتب كثير من غير التافهين عن التافهين
وكثير من الكتب صدرت حول هذا الموضوع ولكن مرض التفاهة لازال متواصلا .
ان زمن التفاهة والتافهين هو مفهوم يستخدم لوصف العصر الذي نعيش فيه حيث يسود فيه الاهتمام بالأمور السطحية والترفيهية على حساب القضايا الجادة والمهمة والفكر والتفكير والإبداع، فعندما نتحدث عن التفاهة فإننا نعني الاهتمام الزائد بالأمور السطحية والترفيهية مثل وسائل التواصل الاجتماعي كالتكتوك واليوتيوب والبرامج التلفزيونية الخفيفة والأخبار الفارغة
ما نعيشه الآن هو عصر سيادة ما سماه برتراند راسل نمط الحياة الأمريكي، أي تحويل الإنسان إلى كائن سخيف يتم إفراغه من كل عمق عبر الاستهلاك، استهلاك هويته وصورته وجسده، وتقزيم هويته في جعله يرى قيمته كمية تحددها لايكات وسائل التواصل الاجتماعي، فهو يشارك كل لحظات حياته، في الصالات الرياضية وغرفة النوم والحدائق العامة والمطاعم والمسابح وصولا للمرحاض! فالمجتمعات الاستهلاكية تمضي بسرعة البرق من عصر تعليم النباهة، الى عصر تعظيم التفاهة، وصولاً إلى عصر تكريم السفاهة…
عصر التفاهة ولى، ونعيش اليوم عصر الانسان الصرصور فالصرصور يصنف مع النحلة كحشرة رغم دونيته عنها، وهو منعدم القيمة لكن حربا نووية لا تفنيه..
كما قال فوكو، لقد مات الإنسان وأنتم من قتله. مهما جملتم أجسادكم ستظلون جثثا بلا روح.
التافه لغوياً هو غير المتزن ، قليل العقل ، لا قيمة لأعماله… والتفاهة هي النقص في الاصالة والقيمة والاهمية انها الافيون الجديد للشعوب
ولكن ما هو التافه بالمفاهيم العالمية الجديدة؟
ربما هو الشخص الذي يهتم بالقشور ولا يبالي بالجوهر ، سواء كان سياسياً او كاتباً او فناناً او اي شخصية اجتماعية بارزة .
هناك بعض الفنانين او الاشخاص العاديين ينشرون على الميديا كل تفاصيل حياتهم دقيقة بدقيقة ، ويتابعهم مئات الألوف . هل هذه تفاهة !
انا ارى ان التافه انسان اناني لا يهتم إلا بنفسه ،ان اهتمامه بالآخرين ينحصر فقط في ان ينال اهتمامهم ومن ثم اعجابهم .
التافه ليس بالضرورة انسان غبي ، بل بعضهم في منتهى الذكاء والمكر ، يعرفون تماماً من اين تؤكل الكتف التفاهة ليست كوميديا والتافه ليس كسول بل هو شخص طموح بنى مستقبله على الاستثمار في التفاهة
التافهون لا يهتمون اطلاقاً بالقيم الاخلاقية والجمالية في الحياة وفي هذا يرى الطبيب والكاتب الروسي أنطوان تشيخوف إنه لا يمكنك أن تجد رجلا شريفاً ، تافها أبداً !
التفاهة والشرف نقيضان لا يجتمعان في مكان ولا في زمان.
يمكن لأن الشرف صناعة ثقيلة مبنية على قرارات كثيرة ومراجعات كثيرة للذات وصولاً لقناعات حاسمة تجاه الاشياء.
الشرف رحلة عقلية ونفسية وروحية فيها مخاض أليم للانسان، يتولد بعدها بمُحددات مختلفة تماماً.
نحن في عصر صناعة التفاهة ، وللتفاهة أهلها ووسائلها من صفحات التفاهة ومواقع التفاهة والاعلام التافه الممول من المال العام .
تحيط بنا التفاهة في كل مكان ، بل نقبع في مستنقاعاتها..
بقالب أخر نحن في عصر صناعة التفاهة.
زمن الاستثمار في الغباء والرداءة، يتابع افراد المجتمع شخصيات تافهة وسهرات تافهة في موجة فراغ الغباء القاتل في حين يصبح مشروع بناء الإنسان هامشا على الطريق. صناعة الغباء الذي يصنع من التافهين نجوما وتشترك في ذلك القنوات الرسمية والمواقع الاجتماعية والمؤسسات على اعتبار أن الإعلام الرمادي يعمل على تقويض القيم والتشكيك فيها لاجل جعل اللامعنى نسقا معمما وهو حال التفاهة والسيولة التي نعيشها اليوم..فراغ قاتل يحركه غباء عام يهدد جودة الذوق العام، ويضرب في العمق القيم الاخلاقية. اصبحنا لا نعرف أين يختبئ السيئون فالكل يتحدث بمثالية وباسم الحداثة .
الوسائط الاجتماعية تحولت من التأثير الى صناعة التفاهة في ابشع صورها وبكل انواعها .تفاهة القيل و القال وتفاهةالسب والشتم والقذف وتحويل الفضاءات العامة إلى خاصة و إلى اسماء مستعارة تضرب في القيم الاخلاقية.
نحن نعيش في زمن الرداءة وللرداءة أهلها ….
فالكثير يهلل ويطبل للعفن ويزيد أصحابه غرورا وتجبرا….نحن نعيش في أسوء عصر في التاريخ زمن الفراغ المصالح والنفاق والامبالاة العامة.
نحن في زمن قل فيه الناصحون وكثر فيه المادحون نحن نعيش الآن واقعا مريرا مفاده أنه كلما تعمق الإنسان في الإنحطاط إزدادت جماهريته وشهرته فيرتفع الوضيع وينزل الرفيع.
يقول الفيلسوف الكندي” ألان دونو ” في كتابه ” نظام التفاهة ” :لقد نجحت مواقع التواصل في ترميز التافهين حيث صار بإمكان أي جميلة بلهاء أو وسيم فارغ من الظهور و فرض نفسه على المشاهدين عبر منصات تلفزيونية عامة هي في أغلبها منصات هلامية غير منتجة لا تخرج لنا بأي منتوج قيمي..نحن نعيش في مرحلة تاريخية غير مسبوقة تتعلق بسيادة نظام أدى تدريجيا إلى سيطرة التافهين على جميع مفاصل نموذج الدولة الحديثة. يلحظ المرء صعودا غريبا لقواعد تتسم بالرداءة و الإنحطاط المعياريين..تدهورت متطلبات الجودة العالية و غيب الأداء الرفيع و همشت منظومات القيم و برزت الأذواق المنحطة و أبعد الأكفاء و خلت الساحة من التحديات حيث تسيدت شريحة كاملة من التافهين “..!
نحنُ نعيش في عصر التفاهة ، حيثُ حفل الزفاف أهم مِن الحُب ومَراسم الدفن أهم من المَيِت واللباس أهم مِن الجسد والمعبد أهم مِن الله، لن يفنى العالم بسبب قنبلة نووية كما تقول الصحف، بل بسبب الابتذال والافراط في التفاهة التي ستحول الواقع إلى نكتة سخيفة.
لا يوجد مَا هو أكثر فظاعة وإهانة ومدعاة للكآبة مثل التفاهة. ويضيف الان دونو
“لا تكن فخوراً ولا روحانيّاً ،هذا يُظهرُك مُتكبّراً. لا تُقدّم أيّ فكرة جيدة ،فستكون عُرضة للنقد ،لا تحمل نظرة ثاقبة.وسّع مُقلتيك ،أرخِ شفتيك ،فكّر بميوعة وكُن كذلك.
عليك أن تكون قابلاً للتعليب. لقد تغيّر الزمن. فالتافهون قد أمسكوا بالسلطة”.أما فريدريك نيتشه فقد اعتبر ان التفاهة وحدها من تُجني أرباحًا هائلة هذه الأيام!!
فعندما تُسخر، السوشيال ميديا وكل التقنيات الحديثة مع الذكاء الاصطناي لاظهار ورفع التافهين ونشر القيم التافهة ومحاربة العلماء و المبدعين وخفض القيم السامية، فاعلم أنك أصبحت في أسفل العصور وأحط المراحل التاريخية الذاهبة إلى الزوال انه عصر التافهين فهم الاغلبية الساحقة حيث يقول الان دونو إن التافهين قد حسموا المعركة، ربحوا الحرب، وسيطروا على عالمنا وباتوا يحكمونه، لقد سيطر التافهون على العالم.
” إن التافهين قد حسموا المعركة لصالحهم في هذه الايام..لقد تغير زمن الحق و القيم..ذلك أن التافهين أمسكوا بكل شيء بكل تفاهتهم و فسادهم..فعند غياب القيم و المبادىء الراقية يطفو الفساد المبرمج ذوقا و أخلاقا و قيما .إنه زمن الصعاليك الهابط “..!
• هل التفاهة ظاهرة زائلة ام صناعة مدبرة؟؟؟
تخيل الآن أنك أمام طريقين ،تحاول اختيار أحدهما لترسم مستقبلك !!! تنظر فترى الطريق الأول شاق ،نتائجه بعيدة والثاني سهل نتائجه قريبة !!!!
الأول طريق صعب المنال والثاني طريق تملأه الأموال، في الطريق الأول قد تكون رقما مجهولا ..وفي الثاني حتما ستكون مشهورا..
تنظر فترى الأول، قد ضاق، وابتعد عنه السالكون.وترى الثاني قد ازدحم، وتسابق فيه العابرون،فتوشك أن تنجرف معهم وكأن قوة تدفعك لتكون من المطبعين..
تقف، تتأمل المشهد، تتمعن النظر ، وتتسائل؟!
من الذي جعل طريق العلم والأدب والجد والعمل منبوذا، وطريق اللهو والصخب والرقص والكذب محبوبا، وكيف لك أن تندفع في الطريق الأول وإن كان كل من حولك يدفعك إلى الطريق الثاني.
•غزو مواقع التواصل الاجتماعي•
اذا تصفحت مواقع التواصل الاجتماعي فإن جل ماستراه هو المحتوى التافه واذا بحثت في عالم الارقام فسترى المحتوى التافه هو الذي يتصدر التعليقات والاعجابات والمشاهدات اما اذا اتجهت خارج هذه المواقع فانك سترى ان هذه الفئة هم من يحتلون الاعلانات في الشوارع.
وصف امبرتو ايكو” مايحدث في هده المواقع فقال: هذه المواقع تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى الذين اصبحو اليوم هم الاغلبية الناطقة والتي تصنع الفكر والذوق العام”
ان تصدير التافهين على انهم قدوة يعني انتاج مزيد من الانسان الفارغ وهكذا يتحول الامر الى منظومة من التافهين.
فحسب” الان دونو”التافهين يدعمون بعضهم بعضا فيرفع كل منهم الاخر لتقع السلطة بيد جماعة تكبر باستمرار لان الطيور على اشكالها تقع ”
ان التفاهة تسبب الانتحار العقلي فالسباق المتواصل نحو المقالب والالعاب والفضائح ينتج اشخاصا منتحرين فكريا يجهلون معنى الحياة فاصباغ التفاهة على كل شيئ خطير جدا، فالنفس البشرية عموما تميل الى الاطلاع على عيوب الناس وفضائحهم والى التفاهة المسلية والمقالب الخطرة احيانا مما يجعلهم لايفكرون اغبياء يستهلكون فقط
•اسباب انتشار التفاهة.
1-تجارة التفاهة: حينما تشتري سلعة يتجاوز ثمنها قيمة الانسان وتظن وتدرك انها ستحدد قيمتك ومكانتك مجتمعيا فانك تلك السلعة ستفسد وستخسر وهنا كان مهما للراسمالية العالمية المسيسة ان تقوم بصناعة التافهين وتمكينهم عبر صرف الاموال عليهم لاستخدامهم كرأس مال لاحقا للتسويق والترويج لبضائعهم وللحياة الفاخرة التي يصورونها. فالراسمالية حسب الان دونو “شرطها هو اغراق الانسان في اوحال التفاهة وتجعله ساعيا اليها دون وعي” فهي لاتتبني العقول الكبيرة المفكرة بل تتبنى العقول التي تستطيع خداع الاخرين وتوظفهم فحتى تستطيع السيطرة على المجتمعات لابد من تكريس سلطة التافهين
2_الميدوقراطيا: وهو النظام الاجتماعي الذي تكون فيه طبقة التافهين هي المسيطرة فالتطور الكبير الذي شهدته حياتنا الالكترونية كان متسارعا مامهد لنشاة امور منفتحة وغير منضبطة فتصدر التافهون وسائل الميديا والتواصل فمثلا تجد تطبيقات مثل يوتيوب او تيكتوك تدعم تافهين ذوي محتوى التافه وتهمش مثلا محتوى شخص طبيب او معلم لان القيمة العلمية غير مربحة
3ـ مجانية التفاهة: وهنا نكتفي بمقولة تقول انه ات كانت البضاعة المقدمة مجانية فاعلم بانك انت البضاعة او السلعة وليس ماقدموه لك.
4ـ السياسة تدعم التفاهة: تنظر الدول المستبدة الى العلم والفكر على انه عامل خطير يهددها فهي تخشى نشوء جيل واعي يواجهها فكريا ومعرفيا ومنه تسعى لتوظيف التفاهة سياسيا واستغلالها لتهديم الاجيال عبر برامج تكرس التبعية والضعف والخوف من كيان الدولة.
ان اسباب التفاهة متعددة فالهروب من الواقع وفقدان الهوية والفراغ والاغراءات النفسية والمالية الكبيرة ادت ايضا لانتشار هذه الظاهرة فهي مخطط لها وليست تلقائية.
Discussion about this post