قراءة دكتورة آمال بوحرب
————
النص :(فيما مضى )
أقول في حرفي المتواضع
فيما مضى …
كنتِ عود الكبريت …
يتوهج أذا لامس شذا الحرف …
كيف أستحال رماد …
فتيل الشمع ….
أشعلت في الحنايا ..
أضاء الطريق ومضى العمر ..
عرش على الوسادة ..
السهاد …
طال الجفاف صحراء مهجتي..
اتكئ على الصبر …
وأرقب الايام تمضي ..
سبات في جوارحي من الظمأ ..
والحلم في رقاد.
✍
إن الفكرة لدى كل شاعر لا توجهها لغة بعينها فالشاعر نفسه شبيه بلغة جديدة تبني نفسها وتبتكر لِذاتها وسائل تعبيرية وتتنوع حسب معناها الخاص وإن كنا نسمّيه شعراً ليس سوى فرع من الادب الذي تتأكد فيه الاستقلالية في أبهى صورها فالكثير من المتذوقين للشعر الحديث لا يعتبرون القصيدة شعراً ما لم يكن بها أنين وحكمة أو استغاثة لذلك من أصعب الأمور في كتابة الشعر هو أن يعرف المرء ما هو موضوعه ؟
وإن كان الجميع يعبر عن فكرته بطريقة او بأخرى الا أن القصيدة هي التي تخبر الشاعر بم يفكر وليس العكس بما تحتويه من مفارقات وصور شعرية متناغمة
فكيف خدمت هذه المفارقة الرمزية والدلالة الزمانية الشعرية ” للشاعر خلف لطيف في نصه « فيما مضى »
وما هي الأبعاد الوجودية لهذا النص؟
لقد احتل الزّمان مکاناً مرموقا لدی الشاعر فقد وصفه وصفاً حسياً صادقاً و جميلاً من خلال مجموعة الافعال اختيرت بدقة واحترافية ( أشعلت ،طال ) فهي ليست كلمات دالة علی الزمان فقط في معناه الحقيقي وإنما تجسم الحوادث علی أنها واقعیه و حقيقة أما المفارقة في تطويع الفعل من الماضي الى المضارع تميزت فيه لمسة الشاعر بالتناغم الروحي ممتزجة بقدرته على استمرار الوقائع بين الألم والذكرى والأمل
فيربط بين الماضی والحاضر وبين العلة والمعلول ولكنه قد يستخدم هذه الکلمات ترميزا لبعض الحقائق کالفناءِ والشقاءِ وطول المدة والشمول و الحرکة والنشاط (أرقب ، يتوهج، أقول ).
و قد تفاعل الشاعر مع الطبيعة بکل ظواهرها ومظاهرها وأقام علاقةً وجدانية مع الكون أساسها الحس والانفعال وأظهر ولاءه لها وعناصره التی يزخر بها شعره فأصبح الکون وما فيه کالأم التی تعطيه کل ما لديها وراح يستقی رُموزه وتشبيهاته وإستعاراته من جماله وألوانه فهو (الصحراء و الحنايا و هو الطريق )يحاول أن ينقل الصورة التی تلوح فی أفق حياته و خياله نقلاً أميناً فالإنسان على مدی التاريخ يسجل تجاربه أو ما يبدو منها مؤثرا فی حياته وفي ای مجتمع يختزن فی ذهنه أشياء عن شتی الأطوار والاساطیر التی مرّبها هو وأجداد ه ویؤید ما قاله أحمد زکی: « فالشاعر بسبب رهـبة الموت وما يؤول اليه من دمار وهلاک إتجه الی إجلال وتقديس عناصر الکون التی تهب الحياة».
“فطال الجفاف بالصحراء « ومضت الايام كانها “سبات “عميق وبه ” ضمأ ” لم يحدد نوعيته ولكن من يكثر في التعمق في ابعاد اللغة العربية يعرف بدون شك ان الارتباط الوجودي يكون دائما بالتلميح ولا بالتصريح .
وإن كان ذكر الايام أکثر الکلمات فی اللغة العربية إرتباطا بفکرة الوجود و إيماء بمعانی النقص و الشقاء و العجز عن تحقيق الامال و کان شأن العرب أن تذُمّ الدهر أو الأيام تحديدا عند الحوادث و النوازل الّتي تنزل بهم وما الايام الا لحاظ من الدهر .
قال زهیر بن أبي سلمی :یا دهرُ قَد أکثَرتَ فُجعَتَنا بِسُراتِنا وقَرَعتَ فِي العَظمِ:وسَلبتَنا ما لَستَ مُعقبَه یا دَهرُ ما أنصَفتَني الحکمَ:فالشاعر يخاطب الايام لکی يعبر عمّا يشعر من آلام وتيه عشق وشوق ويبثه شكواه النفسي کأنّ الدهر ذریعة و رمز لکشف القناع عن المصائب الّتي تختلج في نفسه حتى أن “حلمه في رقاد ” .
تسود الشاعر مشاعر الأمل لتحمله الى عالم الاحلام فيحلل وجوده وذاته ولقد أنهى النص بتأمل جميل لم يعشه حقيقة ولكن كانت الاحلام سكنا له فباتت ولكنها على قيد الحياة تنتظر اليقضة ليصبح الحلم حقيقة لکن أول ما نلاحظ فی ذلک أن الشاعر لم يکن مهتماً بالتساؤل عن بداية الزمان و إنما کان مهتماً بنهايته من حيث أنها تمثل فی شعوره مشکلة ذاتية هی مشکلة وجود وكينونة و يمكن القول بالاستناد إلى مجمل تلك التمظهرات التي يحضر فيها الزمن داخل معمار القصيدة إن الزمن يتعدى شكله القائم في المفردة، ليأخذ حضوراً طاغياً لا يمكن للقصيدة من دونه أن تصيب ما أرادت قوله، فهو المقدس في التاريخ،والوجداني العاطفي في الليل، وهو الجمالي في العتمة وما يحضر معها من عوالم، وهو الأصيل في كل فعل قبل أي شيء؛ ماضياً، ومضارعاً، وأمراً.يقول الشاعر” وأرقب الايام تمضي ..
سبات في جوارحي من الظمأ ..”فالأيام تمضي وتحمل معها كل الحركات الوجدانية والشاعرية والواقعية لحالة الشاعر ويكون الزمن بذلك مفتاحاً لكشف المخبوء من الحب، وتقلباته، وعذاباته.
Discussion about this post