بقلم الباحث محمد عبد الكريم الدليمي
شعراء القصيدة الفصحى ؛ إن استخدام ألفاظ اللغة البليغة في القصيدة العربية يعطيها قوة ورصانة ، وترك ألفاظ المعاني التي جمالها مقطوع ما لم تقودها الألفاظ البليغة ، ولا معنى دائم لها .
استخدم ألفاظ قصيدة جاهلية أو عباسية في قصيدة أنت منشؤها ؛ لترى جمال البلاغة بين عينيك .
الألفاظ البليغة : هي الألفاظ التي لا تصل لمعناها إلا من خلال ألفاظ المعاني وهي حاملة ألفاظ المعاني وتحكم سيطرتها عليها ؛ هنا ستبدع البلاغة برونقها وعبقها فنقول : الزواج وهي لفظة بليغة لا يفهم لفظها إلا من خلال ألفاظ المعاني وهي :الخطوبة ،المهر ،العدة ،طلاق ، أرمل ، نفقه ، والمعنى الحقيقي هو النكاح . والمعنى المعنى هو ما تخلفه تلك ألفاظ المعاني من معنى .
مثال تطبيقي على بيت من الشعر القديم :
وإن بلغ الفطام لنا رضيع
تخر له الجبابرة ساجدينا
لفظة فطام لفظة بليغة وينشأ منه ألفاظ المعاني وهو : الرضيع ، الطفل ، الصبي ، بنت ، إنسان ؛ والمعنى الحقيقي قطع الرضاعة .
ولضرب أمثلة على استخدام الألفاظ في غير محلها وتجدر الإشارة أنا لست بشاعر ولكني سأذكر الألفاظ التي يستخدمها الشاعر الحديث ويريد ذات المعنى لقال : إن ظهروا لنا فتية حملوا السلاح لوقع اسود اعداءنا راكعينا.
وكذلك تجدر الإشارة إلى بعض الشعراء الأقدمين يستخدم اللفظة البليغة ويعوض عن ألفاظ المعاني بما ينوب عنها مثال:
ملئنا البر حتى ضاق عنا
وماء البحر نملؤه سفينا
ملأنا لفظ بليغ ، والبر لفظ بليغ ، والمقصود ملأنا وألفاظ معانيها كل شيء ؛ وبما المعنى يخص الفخر ، والقوة فيكون العسكر . والفاظ المعاني للبر: سهل ،صحراء ،وادي ،جبل وبلفظة ضاق مثلت بشيء من معانيها وأنهت المعنى عندها. ولو قرأ شاعر حديث وأراد أن يأتي بمثل هذا الشطر لقال: ملأنا الصحراء اسلحة وعسكر… تطاير غبار الصحراء سحابا . وعسكر ،واسلحة ،وغبار كلها معنى المعنى انظر استاذي الفاضل بعد إن كانت لفظ معنى اصبحت معنى المعنى لأنها خرجت من ألفاظ المعاني وهي الصحراء.
وفي الشطر الثاني ذكر اللفظ وهو البحر وألفاظ المعاني هي السفينة.
وكذلك لو اعطي شاعر حديث معنى البيت بألفاظه لقال: لملأنا البحر أشرعة ، أو لأشرعت سفننا في البحر ؛ وأشرعة معنى المعنى صورة لا يجوز تأتي بعد الألفاظ البليغة .
قد تثير حفيظة الشاعر إن قلت له أنت صاحب الصنعة والمقصود أنت صانع الشعر الذي طرحته ؛ يظن في نفسه أو ممن سمع هذه الكلمة إنها ذم وليس مديحا ، لأنه ليس مطبوع الشعر أي جاء بسليقته ، والفرق ما بين الصانع والمطبوع كالفرق ما بين اقسام العلمية والأدبية ؛ الأقسام الأدبية تطابق المطبوع وهي النتاج الأدبي الذي يتمرسه الطالب لينشأ كلاما يجري على لسانه كجري الماء في الساقية . والعلمية تطابق الصنعة فهي لا تخرج بالسليقة حتى يفكك العناصر ويفهم ما تطابق منها وما اختلف وما سيكون من تفاعل او بناء ، لا يمكن للمعادلة أن تخرج عشوائية بل تتبع خطواتها المنهجية ؛ إذن الصنعة أكثر دراية ومعرفة من المطبوع بل هنا هو صاحب علم الكلام ، فيعلم خفاياه وظواهره ، فهو الأجدر بكتابة الشعر من المطبوع .
قد درسنا إن العرب في الجاهلية تتكلم اللغة العربية الفصحى على السليقة ، ولو سألت أحدهم لماذا استخدمت اللفظة مرفوعة او منصوبة فيقول هي كذلك ويسكت ، أو لماذا استخدمت تلك الألفاظ دون غيرها يقول هكذا تكلمت العرب سماعا ؛ ومن هذا ما جاء في كتب فقه اللغة أ تجر فلسطين فقال له الأعرابي إذن أنا رجل قوي . ولو سألنا أحد علماء العربية في العصر العباسي لماذا كان مرفوعا كلامك أو منصوبا فيجيبك بالسبب حتما ، وإذا سألته لماذا استخدمت اللفظة كذا سيقول لك سبب مكانها ، وهذا هو الفرق ما بين صاحب الصنعة والمطبوع في الشعر .
إن هذين المثالين البسيطين لوحة مصغرة لدرس لغوي في صناعة الشعر ،وكنت أحب استعراضا كاملا للدرس ولكن وجدت المنشور سيطول وسأجعل له حلقات في استخدام الألفاظ عما يستقبل من الأيام .
هذا مطلب في درس القصيدة ومحتواها ؛ وأرى جميع الدراسات وأن كانت متعمقة وفعلية إلا إنها استمرت في المظهر الخارجي للقصيدة ولم تدرس ألفاظها بشكل لغوي بحت . وادعو الله إن يرضي العرض الذي قدمته للجميع وأن تأخذ دراسته على المنحى الجاد ؛ عسى أن يتقبلها ربي بقبول حسن.
مقتطفات من كتابي ( بلاغة الشعر ) .
الباحث محمد عبد الكريم الدليمي
Discussion about this post