قراءة في كتاب حميميات باردة: تشكيل الرأسمالية العاطفية، لعالمة الاجتماع ايفا ايلوز.
كتب: الباحث الاجتماعي/.بوخالفة كريم _الجزائر
كثيرا ما نسمع عن علم الاجتماع في صورته الفيبرية والماركسية والدوركايمية والتراتبيات وتقسيم العمل والتضامن والاغتراب والاستلاب وحتى البيروقراطية !
الا ان عالمة الاجتماع ( السوسيولجية، إيفا إيلوز كان لها نظرة أخرى في مستوى التحليل، والاشتباك مع هذه السرديات الكبرى في علم الاجتماع محاولة ابراز العاطفة بطريقة مباشرة وغير مباشرة !
وكيفة تشكيل الرأسمالية ( البرجوازية) لها !
فكر السوسيولوجيون في الحداثـة، بصـورة تقليدية، مـن حيـث حلـول الرأسمالية، وصعـود المؤسسات الديمقراطيـة السياسية، أو مـن حيـث القـوة الأخلاقيـة لفكـرة الفردانيـة، بيـد أنهـم لم يلتفتـوا كثيرا إلى حقيقـة أنـه إلى
جانب المفاهيـم المألوفة لفائض القيمـة والاستغلال والعقلنـة ونـزع السـحر أو تقسيم العمـل، فإن كثيرا مـن السرديـات السوسيولوجية الكبرى للحداثة قد تضمنـت، بصـورة ثانوية، عـلى قـصـة أخـرى: ألا وهـي توصيفـات أو
تصـورات مجـيء الحداثـة مـن حيـث العواطـف. لنأخـذ قليـلا مـن الأمثلـة الصارخـة والتـي لا يلقـى لهـا بـال، فإيتيقـا فـيـبر البروتستانتية تنطـوي، في لبهـا، على أطروحـة حـول دور العواطف في الفعـل الاقتصـادي؛ لأن القلـق الـذي تحتـه ألوهيـة مبهمـة يقع في قلـب النشـاط المسعور لرائـد الأعمــال الرأسمالي. كما تضمـن الاغتراب عنـد مـاركـس – الـذي كان مركزيا في تفسير علاقـة العامـل بصيرورة العمـل وإنتاجـه – عـلى إيحاءات عاطفية قوية، كا الحـال حين نـاقـش ماركس، في كتابـه المخطوطات الاقتصادية والفلسفية،و العمـل المغترب بوصفـه فقـدان للواقع؛ فقـدان الصلة بالموضـوع، عـلى حـدّ تعبيره. وعندمـا استحوذ على «اغتراب» ماركس – وحـرف – عـلـى يـد الثقافـة الشعبية، فأغلـب الظـن أن ذلـك قـد حـصـل بسـبب آثـاره العاطفية المترتبـة
تمتلك العواطف أهمية جوهرية أخرى للسوسيولوجيا : حيث إنّ كثيراً من الترتيبات الاجتماعية هي ايضا ترتيبات عاطفية. ومن السخافة أن نقول إنّ أكثر التقسيمات والتفرقات أساسية التي تُنظّم أغلب المجتمعات حول العالم- بين الرجال والنساء- تقوم على الثقافة العاطفية ( وتعيد انتاج نفسها من خلالها). فأن تكون رجلا ذا شخصيّة، يقتضي عليك أن تُظهر شجاعةً وعقلانيّة باردةً وعدوانية منضبطة. من ناحية أخرى ، تتطلب الأنثويّة اللطفَ والشفقةَ والابتهاج.
ان التراتبية الاجتماعية التي تُنتجها التقسيمات الجندرية تتضمن تقسيمات عاطفيّة ضمنيّة بدونها لن يستطيع الرجال والنساء أن يعيدوا إنتاج أدوارهم وهوياتهم. وتُنتج هذه التقسيماتُ بدورها تراتبيات عاطفيّة، حيث العقلانية الباردة عادةً ما تُعتبر ذات موثوقية ، وموضوعيّةً، ومهنية أكثر من الشفقةِ على سبيل المثال. فمثلاً، ان النموذج المثالي للموضوعيّة الذي يهيمنُ على تصوّرنا للأخبار أو العدالة ( العمياء) إنّما يفترضُ سلفا مثل هذه الممارسة الذَّكَريّة ونموذجاً لضبط النفس العاطفي. ومن ثمّ، يتمّ تنظيم العواطف بصورة تراتبيّة، وهذا النوع من التراتبيّة العاطفيّة، بدوره يُنظّمُ ضمنيّاً ترتيبات اجتماعية وأخلاقيّة.”
فالهوية الحديثة لم تعد كما كانت وانما اصبحت متنوعة يجمعها التطلع لتحقيق الذات والادعاء ان هناك معاناة عاطفية ، هذه السردية يتخللها سردية اخرى هي سردية الاعتراف!
من الشائع الافتراض فيما يتعلق بالرأسمالية انها عملت على توفير عالما عاطفيا تهيمن عليه العقلانية البيروقراطية( الديوانية). ومن المفهوم ضمنا ان المجال الاقتصادي يتعارض مع العلاقات الحميمية ( الحب نموذجا)! بمعنى ان المجال العام وهو الاقتصاد ( الرأسمالية) والمجال الخاص( الحميمية وما يترتب عليها) الاصل انهما لا يجتمعان ! او ينصهر احدهم في الاخر ! فالحميمية الحقيقية ذات الاصالة لا تتفق مع المصالح والمنافع الذاتية!
لذا فان ايفا ايلوز ترفض هذه الفكرة من خلال كتابها هذا ، وتدّعي أن الرأسمالية كثقافة قد عززت وبكثافة مفهوم العاطفيّة في مكان العمل وفي الاسرة وفي علاقتنا مع ذواتنا !
وتجادل في كتابها ان العلاقات التي انبثقت عن المجال الاقتصادي( الرأسمالية) أصبحت عاطفيّة ! حيث ان العلاقات والتي في اصلها يجب ان تكون على سجيتها دون تأثير من المجال العام أخذت طابعا محدودا من خلال النماذج الاقتصادية والسياسية!
واطلقت عليها بالعملية المزدوجة والتي يتم تعريف العلاقات العاطفية والاقتصادية وتشاكلهما ب( الرأسمالية العاطفية)وكان استدلالها على ذلك من خلال أدبيات المواقع الاجتماعية، والمجلات النسائية، ومجموعات الدعم، والبرامج الحوارية وغيرها..
وتطرقت الى عواقب هذه الازدواجية، وتحول العاطفيّة من مجالها الخاص الى انكشافها في المجال العام!
وكيف أصبحت المعاناة تحتل مكانة مركزية في هويتنا المعاصرة، وكيف ان خياراتنا وخبراتنا تأثرت من الرأسمالية!
طبعا من المهم التذكير ايضا ان الكتاب عبارة عن 3 مقالات حول ما ذكرته أعلاه. اضافة الى ان ايفا ايلوز تطرقت الى بزوغ الانسان العاطفي على حساب المفهوم التقليدي للعلاقات. وتطرقت ايضا الى دور علماء النفس في تشكيل هذه العاطفية الرأسمالية ، خاصة في مجال العمل، وكيف تم جندرت الفعل وتحويله بين الانثى والذكر ! ونمذجت ذلك في العلوم الادارية وصب جل اهتماهمها بعواطف ونفسيات الموظفين من أجل ضمان إنتاجية أفضل! بجانب ذلك اثارت ايفا ايلوز الدور المفرط لعلماء النفس في تقرير مفاهيم ( ونصائح) لتبرير سلوكيات وادراجها تحت مسمى المرض او الاضطراب !
ايضا تطرقت الى الذكاء الذهني والذكاء العاطفي واستخدام الاخير في عملية التصنيف في العمل ! بعدما كان الاول هو الرائج ..
والاهم( عندي/ هنا) هو دور مواقع الانترنت في توفير الشريك المثالي وفق معايير معينة ! بحيث اعادت تشكيل الذات ضمن حميمية مختلفة مع الاخر، والذي يتم التعرف على بعضهما البعض عن طريق (الكتابة) والتي تنتهي بفعل الانجذاب.
واستعارت مفهوم الهابيتوس عند بورديو وصاغته بالهابيتوس العاطفي والذي يتيح اكتساب شكل من اشكال راس المال المتموضع بين الرأسمال الثقافي والرأسمال الاجتماعي. هذا النمط هو ثقافي بامتياز ، فالعواطف هي الجوهر الاساسي الذي تجري من خلاله التفاعلات الاجتماعية.
فاذا كان الرأسمال الثقافي حاسما بوصفه مؤشرا للوضع، فان الاسلوب العاطفي حاسم للكيفية التي يكتسب فيها الاشخاص الشبكات القوية والضعيفة على حد سواء.
Discussion about this post