كتب د./بوخالفة كريم باحث في علم الاجتماع ـالجزائر🇩🇿
يمتاز الإنسان عن بقية الكائنات الحية بوجود العقل، ومن خلاله يكوّن الأفكار والمعتقدات داخله ليؤمن بها ويتبناها ويسير وفق ما ينتج من تحليلها، لذلك نرى مجموعةً من الأشخاص في نفس الدائرة يختلفون من ناحية التفكير مما يولد ردود أفعالٍ متباينةٍ أيضاً تجاه نفس الموقف، ويفيد هذا الاختلاف في بناء المجتمعات والتطوير والتميّز فهذا هو طبع المجتمع الإنساني، وقد انتشر مؤخراً لفظ الأيدولوجيا على نطاقٍ واسع في المجتمع.
الايديولوجيا تعرّف بأنها مجموعة الأفكار والمعتقدات التي يؤمن بها الفرد وتنظم أمور حياته، وتؤثر على نظرته للعالم، فهي تشبه الزجاج الذي من خلاله يرى الفرد ما يدور حوله ويقوم بتفسيره، وفي الغالب تكون هذه الأفكار قريبةً جداً من الفرد.
يظن الفرد صاحب الأيديولوجيا المعينة بأن معتقداته هي الشيء الحقيقي والقريب من الواقع حتى لو كانت خاطئةً بالفعل، وذلك لأن العقل يؤمن بها فيوهم الشخص بأنها حقيقة وصحيحة،الأيديولوجيا كلمة أصلها يوناني، فهي تنقسم إلى قسمين؛ الأول يعني الفكرة، والثاني يعني العلم أو السلطة، وبالتالي هي بالمفهوم اليوناني القديم تعني سلطة الأفكار.
تطور المفهوم نتيجة تطور الفكر السياسي، وأصبحت الأيديولوجيا تعني مجموعة من الأفكار والقيم التي تبيّن رؤية من يتبناها لواقع الأمور السياسية.
بمعنى أن من يتبنى الأيديولوجية الإسلامية ينظر إلى واقع الحياة من هذا المنظور، ومن يتبنى الأيديولوجية الليبرالية فإنه ينظر إلى المجتمع من هذا المنظور نفسه، وهكذا.
اليوم صارت الأيديولوجيا مظهراً من مظاهر التنظيم السياسي، فما يميز كل جماعة سياسية أو حزب سياسي عن الآخر الأيديولوجيا التي يتبناها، فهناك أحزاب دينية، وهناك أحزاب يساريةِ، وأخرى اشتراكية، وبعضها ليبرالية، ومنها أيضاً الراديكالية. ومثل هذه الأيديولوجيا هي التي تتحكم في طبيعة أنشطة التنظيمات السياسية وبرامجها ومشاريعها وأجندتها التي تسعى لتحقيقها. فإذا كان هناك حزب اشتراكي من المنطقي أن يتبنى مشاريع وبرامج تمثل الفكر الذي يتبناه عندما يحوز على أغلبية في البرلمان.
على المستوى الفردي فإن كل فرد له قناعاته وأفكاره وقيمه ومعتقداته السياسية التي تمثل الأيديولوجيا الخاصة به، وهي تمثل حقاً من حقوقه الفكرية، إذ لكل حق حرية الاعتقاد والتفكير، وهو ما يعني حرية الإنسان في اختيار الأيديولوجيا التي يراها مناسبة ومقنعة له باعتبار حرية الفكر والاعتقاد من حريات حقوق الإنسان.
الأيديولوجيا “Ideology” كلمة ذات معان مختلفة، وقد استعمل المفهوم بطرق متباينة وأحيانا متضاربة من طرف مفكرين وتيارات فكرية مختلفة. لعل ما يجعل الأمر أكثر تعقيداً هو أن بعض المفكرين المعاصرين ليس لديهم تصور واضح أو وحيد عن المفهوم. وبالتالي فهم يستعملونه كمجرد صفة تعني أشياء مختلفة في أطر وسياقات متباينة . ربما يؤكد هذا أهمية المفهوم على الرغم من أنه يبقى من أكثر المفاهيم المتداولة في العلوم الاجتماعية عامة، وفي علم الاجتماع المعاصر خاصة التباسا.
بدأ تاريخ كلمة “أيديولوجيا” مع ديستوت دي تراسي D. de TRACYالذي استخدمه بمعنى إيجابي في كتابه الموسوم “ELEMENTS D’IOEOLOGIE” عناصر الايديولوجيا” المنشور في بداية القرن التاسع عشر. وقد استعمل “دي تراسي” هذا المفهوم ليشير إلى مجال البحث الذي يهتم بدراسة أصل الأفكاروكان يقصد به “علم الأفكار أو العلم الذي يدرس ويحلل مدى صحة أو خطأ الأفكار التي يحملها الناس، فهذه الأفكار هي التي تبنى منها النظريات والفرضيات التي تتوافق مع العمليات العقلية لأفراد المجتمع”. وفي المقابل يذهب كارل ماركس (1818 – 1883) إلى أن الأيديولوجيا “هي مجموعة الأفكار السائدة في حقبة ما التي تفرضها الطبقة المهيمنة في المجتمع على باقي أفراد المجتمع، أي أن الطبقة التي تمثل القوة المادية الحاكمة في المجتمع هي نفسها القوة الفكرية الحاكمة”.
غير أن جذور الكلمة يمكن اقتفاؤها في أعمال بيكون BACON ومفهومه حول الفكرة الخاطئة “IDOLA” وكذلك في أعمال كونديلاك CONDILLAC. بدأ هذا المفهوم عهداً جديداً مع نابليون بونابرت N. Bonaparte الذي كان أول من استعمله بقصد الحط من قيمة الشيء أو الازدراء به، وانتشر استخدام المفهوم بهذا المعنى السلبي نتيجة تهجم نابليون على معاصريه من المفكرين ووصفهم “بالأيديولوجيين”، أي أصحاب الجمل الفارغة، والأفكار التي ليس لها ارتباط بالواقع.
أصبح مفهوم الأيديولوجيا خلال القرن التاسع عشر موضوع اهتمام تيارين مختلفين من الفكر الاجتماعي. يتزعم التيار الأول أوغست كونت A.COMTE الذي انتقد، من خلال تطوير مشروعه عن الفلسفة الوضعية، الطابع المتطرف والمناهض للتقليد الذي ميز أيديولوجيّ أو “مفكري” القرن الثامن عشر. اعتبر كونت أن مشروعه الذي يؤسس علماً جديداً للمجتمع يمثل بديلاً إيجابياً للفلسفة النقدية، أو “السلبية” التي صاغها أولئك الأيديولوجيون “المفكرون”. كانت نتيجة هذا الموقف بكل بساطة أن جرى تجاهل مفهوم الأيديولوجيا، وما يعبر عنه في هذا التيار الجديد. إذ لم يحظ المفهوم بقيمة تذكر، كما لم تشكل الأيديولوجيا موضوعاً للبحث أو التفكير.
أما التيار الثاني الذي كان له شأن مع المفهوم فهو المشروع الذي صاغه كارل ماركس K. Marx وفريدريك أنغلزF. Engels من أجل تطوير علم اجتماعي جديد ممثلا في المادية التاريخية. كان لهذين المفكرين موقف مختلف من مفهوم الأيديولوجيا، حيث اكتمل مشروعهما الفكري من خلال مناقشة وانتقاد مجمل التيارات الفلسفية والفكرية السابقة والمعاصرة مثل الاقتصاد السياسي، والاشتراكية الخيالية، وفلسفة هيغل المثالية، ومادية فيورباخ بعد ذلك، وقد تفاعلا كثيرا مع جميع تلك التيارات الفكرية والفلسفية.
كان موقف ماركس الأساسي هو أن شروط الوجود الاجتماعي تحدد الوعي الاجتماعي لدى الإنسان، وكان ذلك بمثابة ضربة أولى لمفهوم هيغل عن الحقيقة المحجوبة أو “الفكرة المطلقة”. من هذا المنطلق، فإن أشكال الوعي لا يمكن فهمها وتفسيرها إلاّ من خلال الممارسة الاجتماعية للإنسانSOCIAL PRAXIS وبالتالي فالأيديولوجيا لا تعدو أن تكون شكلاً من أشكال الوعي الاجتماعي، يمكن فهمها في إطار الشروط الاجتماعية والاقتصادية التي يعيش وينتج الإنسان في ظلها أسباب بقائه. لذلك فإن أي نقد للأيديولوجيا ينبغي أن يتم من خلال نقد الظروف المشكلة للواقع الاجتماعي الذي أنتجتها، بل والعمل على تغيير تلك الظروف. لقد بين ماركس وأنغلز في عملهما “الأيديولوجيا الألمانية”، أن نقد الوعي بواسطة الوعي (الفكر) إنما هو عمل لا جدوى منه، وهذا ما يجعل الذين يمارسونه “أيديولوجيين” بالمعنى البونابرتي.
ومنه فالأيديولوجيا هي مجموعة من الأفكار والمعتقدات والقيم التي تشكل نظامًا متكاملاً لتفسير العالم وتوجيه السلوك البشري. تعكس الأيديولوجيا وجهة نظر معينة حول كيفية تنظيم المجتمع والسياسة والاقتصاد والثقافة. قد تتضمن الأيديولوجيا تصورًا لما يجب أن يكون واقع مثالي، وتشجيعاً لاتباع مسار معين لتحقيق هذا الهدف.
تتنوع الأيديولوجيات بشكل كبير حسب المجال والزمان، وقد تكون سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية أو ثقافية، وتلعب دورًا مهمًا في تشكيل تصرفات الأفراد واتجاهات المجتمع. على سبيل المثال، بعض الأيديولوجيات المعروفة تشمل الشيوعية، والرأسمالية، والليبرالية، والديمقراطية، والنازية، والديانات المختلفة مثل المسيحية والإسلام وهناك العديد من الأنواع منها مثل: 1-الأخلاقية: وهي التي تعلق بالسلوك الصائب والخاطئ.
2-السياسية: وهي التي تتعلق بالأفكار. السياسية التي تقود إلى الأنشطة السياسية المختلفة، مثل الديمقراطية والاشتراكية والملكية وغيرها، وفي معظم الأحيان تستبعد أحدها الأخرى، فمن يؤمن بالملكية لن يطبق الاشتراكية وهكذا فالأيديولوجيا السياسية التي تؤمن بها الفئات الاجتماعية المختلفة في المجتمع، قد تتضارب مع بعضها، أو تتسم بالأسلوب الإصلاحي أو الثوري، الذي يهدف إلى تغيير واقع المجتمع وظروفه؛ ولكن جميع الأيديولوجيات تكون متشابهة في شيء واحد، وهو أسلوبها العاطفي وطبيعتها المحركة لعقول الجماهير. ومن ثَم، تعبّر الأيديولوجيا، بصورة عامة، عن أفكار يعجز العلم الموضوعي عن برهان حقيقتها وشرعيتها، لكن قوة هذه الأفكار تظهر من خلال نغمتها العاطفية وأسلوبها المحرك للجماهير، والذي يتناسب مع الحدث الاجتماعي الذي يمكن القيام به.
الخلاصة الفكر فوق الايديولوجيا .
3-الاقتصادية: وهي التي تتعلق وتتحدث عن توزيع الثروة.
4-الدينية: وهي التي تتعلق بالأفكار الدينية النابعة من المواثيق الدينية الخاصة بكل ديانة، الأيديولوجيا الدينية هي نظام من الأفكار والمعتقدات والقيم التي تستند إلى الدين. وهي تمثل طريقة للتفكير في العالم وكيفية تنظيمه، بناءً على معتقدات دينية معينة”
مشكلة هذه الأيديولوجيا أنها لا تتعايش إلا مع من يشبهها وإن تظاهرت، بالتالي تجد النفس الفوقي حاضر بكل حوار معها، كما أنها منكفئة على ذاتها لإنها تظن أنها ذات قيم سامية مقدسة موحى لها.
5-المعرفية: وهي التي تتعلق بطبيعة الحقيقة وطريقة العثور عليها مثل العلم الذي يقابله الجهل والتعصب.الأيديولوجيا هي مستوى من العقلانية بلغت درجة من التضخم المرضي للوعي . الأيديولوجيا هي التي تصنع ما يسمى “بالهويات القاتلة” . فهي حالة من العقلانية المتجبرة و الثقة المتطرفة التي لا تراعي الأبعاد الوجدانية في العلاقة مع الآخر . كذلك ، هي درجة من الوعي يتم فيها وأد كل حيرة معرفية تدفع إلى النقد المستمر للذات و قناعة خاصة بنسبية المعرفة .
قد تصل الأيديولوجيا إلى مرحلة تعلن فيها نهاية المعرفة فتتوقف عن النمو و التفاعل الإيجابي مع تطورات التاريخ ، كما حدث مع صامويل هنتغتون في صراع الحضارات و إعلانه الفج عن نهاية التاريخ. الحيرة المعرفية رغم ذلك ليست إلغاء للهوية و للذات و ليست مرادفا للشك العدمي ، لكنها اعتراف بحركة و حركية الوعي و نسبيته و عدم ثبات الزمن و الأحوال و المعنى ، أيضا هي اعتراف بأن الوعي لا يوجد له سقف و كذلك قناعة راسخة بأن هويتك التي لا تنعكس فيها هوية الآخر ما هي إلا وهم و عدم و مؤشر صادق على أنك في الإتجاه الخطأ.
6- الأيديولوجيا العلمية والطبيعية والفكرية.
تتسم بعضها بتعقيد الأفكار، وعدم تقبلها للتغيير والتجديد لأنها قد تأتي مفصلة مثل الدينية، كما قد تناقض الأفكار بعضها البعض داخل الأيدولوجيا الواحدة.
✓خصائص الأيديولوجيا: هناك عدة خصائص لابد من توافرها في مجموعة الأفكار والمعتقدات لإطلاق اسم الأيديولوجيا عليها وهي:
أن تسيطر على العقل وتؤثر على الإدراك.
أن تمتلك القدرة على توجيه عمليات التقييم لدى الفرد.
أن تكون قادرة على التوجيه اتجاه العمل.
أن تتميز بالتماسك المنطقي
إن مفهوم الإيديولوجيا ليس بمفهوم عادي يعبّر عن واقع ملموس فيوصف بوصف شافي، وإنما هو مفهوم اجتماعي تاريخي، وبالتالي يحمل في ذاته آثار تطورات وصراعات ومناظرات اجتماعية وسياسية كثيرة ومتنوعة. انه يمثل “تراكم معانٍ”، مثله في هذا مثل مفاهيم محورية أخرى كالدولة أو الحرية أو المادة أو الإنسان..
يمكن أن تكون الأيديولوجيات معيقة للتفكير الحر لانها قوية جدًا وتؤثر في صياغة السياسات واتجاهات المجتمع، وقد تؤدي إلى صراعات وتنافسات بين الفئات المختلفة في المجتمع.
Discussion about this post