الأحلام: جمع هذا اللفظ على جمع التكسير، لأن الحلم يكون من النفس، والأحلام على ثلاثة أشكال، فاختلفت الصفات، واتفقت الأصول، لأن الأنفس الثلاثة خرجت من نفس واحدة. قال تعالى ( قالوا اضغاث احلام وما نحن بتاويل الاحلام بعالمين) يوسف: ٤٤ الاحلام نوع من الاطلاع على ما يجري من حوله، ولكن هذا غير معلوم من قبل البشر ولا يمكن أن يطلع عليه أحد من الناس، فيفسر بأضغاث أحلام، أو عدم معرفة تفسير ذلك، فمن فسر الحلم فهو يتأوّل على علم الله تعالى بما لا يعلم، لأنَّ الحلم يحدثُ كالآتي والله تعالى أعلم.
قد نص القرآن الكريم بخروج النفس عند النوم إلى ما لا يعلمه صاحبها، إلى ما يعلمه الله تعالى بها ، قال تعالي: ( الله يتوفي الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضي عليها الموت ويرسل الاخرى الي اجل مسمى ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون ) الزمر :٤٢ وهذا الدليل العقلي الواقعي الشرعي، يدل على خروج النفس من الجسد بلحظة نوم الإنسان. والله تعالى ينشر كتباً في سماء الدنيا، كل يوم في الصباح والمساء، فتخرج النفس إلى سماء الدنيا، وتطلع على الكتب وهي ليست كتب تقرأ وإنما هي كتبٌ على شكل صور متحركة، فيها سر الحياة وما يحدث لنا من القدر، وما يحدث لنا من علوم الغيب التي لا يعلمها أحد إلا الله تعالى، والنفس بطبيعة خلقتها لا تعرف أحد لأنها تتعامل مع الأعمال التي تنتجها والتي ينتج لها، فليس بينها وبين الناس سوى الأعمال، فعند خروجها تلقى الكتب منشورة في سماء الدنيا، فتبدأ بالنظر إليها، – والكيفية غير معلومة – أما الاطلاع فهو معلوم، فتنظر في الكتاب التي بين يديها، وترجع إلى الجسد بعد استيقاظه من النوم، فيبدأ العقل بقراءة ما في النفس، وفي هذه اللحظة يبدأ الإنسان بالحلم كما هو معروف لدينا، وهو لا يستغرق أكثر من لحظة أو أقرب من ذلك لأن سرعة العقل بقراءة ذلك تفوق كل الحسابات، فيبدأ بعد ذلك الإنسان بالشعور لما يقرأه العقل إِمّا بسعادة أو بحزن أو بارتياح أو باليأس…إلخ.
فما كان الحلم بسعادة لما يعلمه من خطوة النجاح فهي النفس المطمئنة التي قرأت الكتب وجاءت به، وما يشعره من الحزن، من سوء أعماله فهي كذلك، وما كان يشعر بالتقصير إلى الناس وفي إخلاصه لله تعالى فهي أيضاً. أما ما يراه الإنسان من الشر، والقتل، والفتن، والجوع، والعطش، والذل، والمهانة، فهي النفس الأمّارة بالسوء.
أما ما يراه من الفتيات الجميلات، والحب، والغيرة، والحسد، والكره، والتمني، …إلخ. فهو كله تأتي به النفس اللوامة، وهذا الحلم الذي نراه في الليل كله أو نصفه أو أقل من ذلك لا يتجاوز أكثر من لحظة قراءة العقل له، أي لا يتجاوز أكثر من أجزاء من الثانية، وربما أقل من ذلك بكثير، ولا يعلم مقدار ذلك الوقت إلا الله تعالى.
إن عدم معرفة سر ما يراه الإنسان في منامه من الحلم، هو أنَّ الكتاب الذي أطلع عليه هل هو كتابه أم كتابٌ آخر لشخص ثانٍ من يسكن في عالمنا؟ والأمر الثاني، كيف يعلم من ذلك الحلم ما يراه وهو لا يعلم الغيب؟! ومع كل هذا فأن من الأحلام ما يقع صدقاً، وأكثرها أضغاث لا فائدة من معرفتها، للأسباب التي ذكرتها.
إنَّ الحلم كل يوم يحدث للإنسان من دون شك في ذلك، أما هل نتذكر ذلك الحلم أم لا؟ فالجواب عنه بما يأتي: إنَّ النفس المطمئنة تأتي بحلم، والأمّارة بالسوء بحلم، واللوامة بحلم، ثلاثة أحلام في الليلة الواحدة؛ فعند رجوع الأنفس إلى العقل يبدأ العقل الماسح بالعمل الذي يقتضيه، والذي يقضي على كل غريب، فيبدأ بمسح كل ما جاءت به الأنفس، أما ما يعلق بالعقل المفكر فهو ما نراه على شكل حلم، وذلك لحاجة العقل إليه، ليبدأ بنشاطه المعتاد، فنرى إنساناً يحلم بكوابيس حقيرة الشأن، وهذا الأمر الغريب الذي لا يمكن للإنسان أن يتصوره هو منفعة له، على قدر تحمل العقل، وذلك لكثرة حقارة النفس الأمّارة بالسوء وسيطرتها على العقل المفكر، فيكون العقل المفكر بحاجة لمثل هذه الأحلام، ليطور نفسه بالجريمة والعدوان، وتطور الحالة إلى أن تصبح عائقاً على الإنسان فيمرض بمرض نفسي لا محالة من ذلك لأن الروح والنفس المطمئنة سيبدأ كل واحد منهما بنصرة الخير، فيبدأ الصراع، مما يؤدي إلى المرض النفسي، وبهذه الحالة يظهر على الإنسان شخصيتان مزدوجتان، وبهذه الحالة يحتاج هذا الإنسان إلى طبيب. أما إذا كان الإنسان كثير الطمأنينة والمرح، فتأتي النفس المطمئنة بحلم الطمأنينة، فيتقبله العقل المفكر لحاجته إليه، وكذلك يكون الأمر نفسه لما تأتي به النفس اللوامة، فيكون الحلم لما يحتاجه العقل، وبما أن العقل يسيطر عليه من قبل الأنفس، فلا بد أن تكون الحاجة لمن سيطر على العقل، وحاجة العقل إليها لزيادة تطوره بها.
الرؤيا: إنَّ الرؤيا عكس الحلم فهي تقع حقيقة مع النفس، فمنها ما يأتي في المنام وهو المتعارف، ومنها ما يأتي في الغفوة القصيرة التي يستلقيها الإنسان وهو صاحٍ يقظ، فتخرج النفس بإذن ربها الكريم إلى من تلتقي به من البشر أو القدر الذي يريد ربنا العظيم إطلاع ذلك البشر عليه؛ فمن الناس من يرى في الرؤيا ما يلتقي بإنسان ميت، أو إنسان لم يعرفه ولكن سيلتقي به عما قريب، أو من الأنبياء والصالحين، أو غير ذلك مما قدره ربنا الكريم لهذا الإنسان، وتبدأ النفس بالتحدث إليه والتعرّف إليه كأنه يتعرف إلى إنسان من حوله، ويقول له ما يريده منه بصريح العبارة، وكل ما يقصّه عليه يفسر من قبله، وهو واضح معروف، ومن علاماتها أنها لا تنسى بوقت قصير أو طويل، والثانية التعريف بمن التقى به. وما عدا هذا فهو حلم.
والرؤيا لا تكون إلا مع النفس المطمئنة، فهي المسموح لها بهذه الرؤيا الصالحة، ولا تكون الرؤيا شراً على صاحبها أو الناس، حتى وإن كان ذلك يقع من الكوارث أو المقدرات التي لا يحبها الإنسان لنفسه ولكنها هي خير له ولمن حوله ولجميع المسلمين.
Discussion about this post