كتب/خطاب معوض خطاب
الإذاعية صفية المهندس.. صاحبة “إلى ربات البيوت”
بنت عميد كلية دار العلوم ونائب رئيس مجمع اللغة العربية
الإذاعية صفية المهندس صاحبة الصوت الدافئ المميز الذي تسلل إلى قلوبنا عبر الإذاعة المصرية، والتي كنا نستمتع بسماع صوتها في برنامج “إلى ربات البيوت” قديما، وكان صوتها واحدا من أهم الطقوس التي اعتادت الأسر المصرية على سماعه عبر الإذاعة المصرية، وهي واحدة من رائدات العمل الإذاعي، ومن جيل رواد الإذاعة المصرية الأوائل، وصاحبة صوت من أوائل الأصوات النسائية الإذاعية التي انطلقت، ليس في الإذاعة المصرية فقط بل وفي جميع إذاعات المشرق العربي كله، ومن اللاتي حفرن أسماءهن في هذا المجال، الذي كان مقصورا علي الرجال فقط، ولذلك فقد منحها النقاد وجميع العاملين بالمجال الإعلامي لقب أم الإذاعيين المصريين، بما اشتهرت به من كرم وحب وعطف وتقديم يد العون والنصح للجميع.
والسيدة صفية المهندس واحدة من عشاق العمل الإذاعي، وراهبة من راهبات الإذاعة المصرية، حيث رفضت بشكل قاطع العمل والظهور بالتليفزيون المصري عند افتتاحه في سنة 1960، وظلت ثابتة علي موقفها خلف الميكوفون، تبث من خلاله أروع وأشهر البرامج الإذاعية، وظلت وفية للإذاعة المصرية طوال حياتها، وقد ولدت بحي العباسية في سنة 1922، والتحقت بمدرسة السنية في سنة 1937، وانضمت إلى جماعة الخطابة المدرسية، والتحقت بالإذاعة المصرية في سنة 1947، وذلك بعد حصولها على ليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية في سنة 1945.
وكانت في بداية عملها بالإذاعة المصرية لا تجيد نطق اللغة العربية بقدر ما كانت تجيد التحدث باللغة الإنجليزية، وذلك بسبب طبيعة دراستها، إلا أن والدها عكف على تدريس اللغة العربية لها فتفوقت وأجادت النطق بالعربية الفصحى، لدرجة أنها اشتركت فى مقدمة أشهر برامج الإذاعة التي اهتمت باللغة والشعر العربى “لغتنا الجميلة”، والذي كان يقدمه الشاعر فاروق شوشة، حيث كانت تقرأ بيت الشعر الشهير: “أنا البحر في أحشائه الدر كامن … فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي”، وهي من أوائل الأصوات النسائية في العالم العربي ومن أهم وأشهر برامجها “ركن المرأة” الذي تغير اسمه وأصبح “إلى ربات البيوت” الذي قدمت من خلاله أشهر الحلقات الدرامية وأطولها في تاريخ الإذاعة المصرية وهي حلقات مسلسل “عائلة مرزوق” الذي ناقش العديد من القضايا الاجتماعية، كما قدمت برنامج “المرأة العاملة”، و”الخير والبركة”.
وترقت السيدة صفية المهندس في الوظائف من مشرفة علي برامج المرأة، حتى أصبحت مديرا لبرامج المنوعات، ثم مديرا لإذاعة البرنامج العام، حتى تولت رئاسة الإذاعة من سنة 1975 حتى سنة 1982، حيث كانت أول سيدة تتولى هذا المنصب، كما تم اختيارها عضوا بمجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وعضوا بمجلس الشورى وعضوا بالمجلس القومي للفنون، وبعد مسيرة إذاعية حافلة رحلت السيدة صفية المهندس الملقبة بأم الإذاعيين عن دنيانا في يوم 13 يونيو سنة 2007 عن عمر يناهز 85 عاما.
والسيدة صفية المهندس هي الشقيقة الكبرى للفنان الكبير فؤاد المهندس، وكانت زوجة للإذاعي الكبير محمد محمود شعبان الشهير باسم بابا شارو، أما والدها فهو الأستاذ العلامة والتربوي العظيم زكي محمد المهندس الذي كان واحدا من نوابغ التربويين في مصر، وواحدا من العلماء المعدودين في اللغة العربية وعلومها بمصر، ويكفي اختياره ليكون عميدا لكلية دار العلوم ثم اختياره رئيسا بالنيابة لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، وبخلاف السيدة صفية المهندس والفنان الكبير فؤاد المهندس فقد أنجب الأستاذ زكي المهندس كلا من الأستاذة درية المهندس حرم الأستاذ الدكتور إبراهيم أنيس عميد كلية دار العلوم الأسبق، والمهندس سامي المهندس.
وحسبما روى أبناؤه وأحفاده فقد كان الأستاذ التربوي “زكي المهندس” في بيته أبا حازما صارما ومتفتحا في آن واحد، فمع مكانته العلمية الكبيرة وحرصه على تربية أبنائه تربية سليمة ومع حرصه الشديد على تعليمهم اللغة العربية والتحدث بها داخل المنزل إلا أنه ترك لهم مجال الحرية ليمارسوا هواياتهم وما وافق هذه الهوايات من أعمال، فقد شجع ابنته الكبيرة “صفية المهندس” على الالتحاق بالعمل بالإذاعة المصرية حيث كانت أول صوت نسائي يسمعه المصريون بل أهل الشرق جميعا، وتحمل هو في سبيل ذلك انتقادات كثيرة، فكيف لمثله أن يسمح لابنته بذلك في ذلك الزمان، كما شجع ابنه “فؤاد المهندس” على دخول مجال التمثيل رغم ممانعة زوجته واعتراضها على ذلك.
والأمر المثير للدهشة والإعجاب في آن واحد أن الأستاذ “زكي المهندس” كان له حديث أسبوعي معتاد يخص به الإذاعة المصرية، كما كان لابنته الأستاذة “صفية المهندس” حديث بالإذاعة، وكان لشقيقها “فؤاد المهندس” هو الآخر برنامج إذاعي شهير يقدمه يوميا وهو برنامج “كلمتين وبس”، وقد ولد الأستاذ “زكي محمد المهندس” في سنة 1888، وتخرج في مدرسة دار العلوم في سنة 1910، وبعد تخرجه سافر إلى بريطانيا والتحق هناك بجامعة ريدنج حيث حصل منها على دبلوم التربية والأدب بالإضافة إلى شهادة تخصص في علم النفس، وبعدها عاد للقاهرة وعمل مدرسا للغة العربية بالثانوي ثم مدرسا بمدرسة دار العلوم ثم مفتشا لمادة اللغة العربية.
وعندما تحولت مدرسة دار العلوم لكلية كان الأستاذ “زكي المهندس” من أوائل الأساتذة الذين عملوا بها، فكان أستاذ كرسي التربية والفلسفة بالكلية، ثم تم اختياره وكيلا للكلية فعميدا لها سنة 1945، كما شغل قام بتدريس البلاغة والنقد بها، والمعروف أنه ألف وترجم وراجع العديد من الكتب المدرسية، مثل أخلاق الفتى وتهذيب البنين والنحو المصور وأحلام اليقظة ورسالة المعلم وغيرها من الكتب، ونشرت له العديد من البحوث والمقالات فى عدد من الصحف والمجلات العربية.
ويعد الأستاذ “زكي المهندس” واحدا من الرعيل الأول الذي أسهم في وضع أسس جديدة للتربية والتعليم بمصر، وتخرج على يديه المئات من الكتاب والمعلمين في مصر، وكان من أعظم الأساتذة الذين شجعوا الحركة الطلابية التي أشعلت ثورة 1919، وتم اختياره في سنة 1946 ليكون عضوا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، حيث كان مشاركا في الكثير من أعمال لجان المجمع مثل لجنة اللهجات ولجنة الأصول ولجنة الأدب ولجنة نشر التراث القديم وغيرها من اللجان، كما أنه كان مشرفا على مجلة مجمع اللغة العربية، وتم اختياره نائبا لرئيس المجمع في ظل رئاسة الدكتور طه حسين للمجمع، وظل نائبا للرئيس حتى وفاته سنة 1976.
*من كتاب “عظماء من مصر” الصادر عن دار غراب للنشر والتوزيع.
Discussion about this post