. (عتبات القيروَانِ – 76 -)
بقلم د. كمال العيادي .الكينغ
– (فكّ شفرة اللّوحة الأخيرة رقم 33 / من ثلاثة وثلاثين)
((لِمَاذا، كلّما بسطّتُ إليْكِ يَدِي، خبّأتِ خلفَ الزّجاجِ يديْكْ ؟!…
وجهُكِ في المِرآةِ، يا قيروان، وجهانْ. لستُ شيطانًا إذنْ. ولستِ أنتِ الملاكْ. نحنُ يا قيروان واحد. ستكبرين في خُطاي وسأمشي في خُطّاكْ. وأعمَى من سيراني بعدها، خارج أسوارك…وأعمَى، من، خارج صدري، و دفاتري و كتبي، يا قيروان، سيرّاكِ.…(الكينغ)…))
باللّون الأزرق. واللّون البُنّي. واللّون الأحمر. واللّون الأخضر، يرسم الفنّان كلمات القصيد ويخطّها، في هذه اللّوحة الأخيرة من مجموعة عتبات وحبّات (المسبحة الصًغيرة)، التي إخترتها واقتيتها من الفنّان الألمعيّ (خالد ميلاد) وهيّ أمّهات ألوان القيروان. وحُجّتها وأسبابها… فالأزرق الدّاكن و المائل صوب السّواد هوّ لون الحبر والمداد، وهو الذي يمثّل كينونتها وماهيّتها وعنوانها الأبقى، منذ القدم وحتّى ينفخُ في الصّور بمشيئة وأوان. كون القيروان هي مدينة الشعر والفقه والعلوم والتدوين والفنون والخطّ العربيّ الذي يرسم اللّسان العربيّ والقرآن ومجد الحضارة العربيّة الإسلاميّة. و التي تتجلّى كأفضل ما يكون في مدينة الصحابة والعلم والعلماء. مدينة القيروان، وفي حبرها، على الدّوَامْ…..
واللّون الثاني، هوّ اللّون البنّي، بحدّيه: الفاتر حدّ الإقتراب من لون التراب البِكر في البداية وصولا لأقصى درجة داكنة ممكنة فيه، وهي لوْن الطَوب المحروق… الذي شيّدت به الجدران والأسوار والقباب والمآذن وحيطان البيوت القديمة…. فهو أحد أسرارها وأحاجيهادوعلاماتها. واللّون البنّي قديما له علاقة مباشرة بالأسرار وكلّ ماهوّ ثمين ويحفظ بعيدًا عن الأعين … فهو أيضا لون الصناديق التي تحفظ الأغراض الثّمينة والأسرار… وفي هذه اللّوحة نجده يرسم مركز ثقل النّسيج البصريّ عبر اللّون في فضاء اللوحة و مركز الثقل في القصيد وكأنّهما وحدة لا تتجزّأ… وهي سرّ مكنون يحفظ ويعلن بمقدار وحسبان واحتياط…
. اللّون الثالث الذي إختاره الفنّان لرسم حروف وكلمات القصيد، هوّ اللّون الأحمر… وله ثلاث دلالات: الدلالة الأولى، أنّه لون البيان في عالم التخطيط ورسم الخطّ العربي… فقد كان ومازال لون تشكيل الكلمات في الرّقع التاريخيّة المصيريّة وكذلك في رسم القرآن. حيث يميّز ويبين ويؤكّد ويُعلِّم ويُحدد العلامة وحركتها.
الدّلالة الثّانيّة أنّه رمز النّبض والحياة والدّم الذي يسري في الشرايين… والدلالة الثالثة، رمزيّة وتشير إلى مقام القيروان. وأنّها تفدى بالدّم والنفس والنّفيس، فهيّ الجمان ومرجانه ورُمّانة الرّوح …
اللّون الرّابع الذي اختاره لرسم كلمات القصيد هوّ اللّون الأخضر. وهو رمز من رموز القيروان البِكر، كونها كانت في الأصل غابة خضراء قبل أن يختارها عقبة بن نافع لتكون مربض الخيل ومربط العسكر ومركز افريقيا ونقطة الإنطلاق والعودة والعبور والراحة والاستعداد واعداد العدّة والعتاد والتزوّد ومخزن المؤون…فضلا عن معناه الرّمزي: أنّ القيروان ولاّدة وخضراء ويانعة كلّ الوقت.
هيّ لوحة تعدّد الأسباب. وحجّة القيروان. وصكّ مُبايعتها… فاللّوحة في مجملها تشبه الرّقعة التي كانت تتّخذ من جلد الدّواب. وهنا هيّ رقعة يعلن فيها الشّاعر والفنّان: أن لا عهد غير عهد القيروان… وأنّه لا رحيل منها إلا بغاية العودة لها… وأنّها الوصيّة والبداية والخاتمة…
قال الفنّان، بعد قراءة آخر جملة ممّا كتبه الشّاعر العاشق حول لوحاته الثلاثة والثلاثين (المسبحة الصغيرة) ….
– يا لك من عاشقٍ، ويا للقيروانْ…
ردّ الشّاعر :
– يا لكَ من عاشقٍ… ويا للقيْروَانْ…
(الكينغ)
Discussion about this post