يعاني العالم من أزمة غذاء عالمية شديدة الوطأة حيث تظهر التوقعات أن نحو 670 مليون شخص سيظلون يواجهون الجوع حتى عام 2030. ولا تزال الصدمات الناجمة عن الحروب وعدم العدالة والعقوبات والصراع على مناطق النفوذ وتغير المناخ، وأزمة المياه العالمية، وفقدان التنوع البيولوجي، وغيرها من التحديات تؤدي الى عدم الاستقرار المستدام وخلخلة للأمن والسلام العالمي وتراجع الأمن الغذائي بما يدفع نحو المزيد من الدول والمجتمعات والبشر إلى التناحر والعوز.
يأتي في هذا السياق، لقاء الرئيس التركي مع الرئيس الروسي في سوتشي يوم 4 سبتمبر 2023 وما رشح من تصريحات مشتركة حول ” اتفاق الحبوب “، حيث قال الرئيس التركي اردوغان إن أوكرانيا بحاجة إلى تخفيف موقفها التفاوضي ضد روسيا في المحادثات الرامية إلى إحياء الاتفاق، وأضاف بعد اجتماعه مع بوتين «على أوكرانيا أن تخفف نهجها حتى يكون من الممكن لها اتخاذ خطوات مشتركة مع روسيا». ونادى بضرورة إرسال مزيد من الحبوب إلى أفريقيا بدلا من الدول الأوروبية.
يذكر ان الاتفاقية التي تمّ التوصل إليها في صيف 2022 برعاية تركيا والأمم المتحدة، سمحت بتصدير الحبوب والحد من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، كما كان الامل بتشكيل توافق قد يؤسس لمفاوضات سلام بين موسكو وكييف، حيث نجحت أنقرة منذ بدء الحرب فبراير 2022 في الحفاظ على توازن في علاقاتها بين البلدين، ولكن قد تكون ملامح اجتماع سوتشي ذات تأثير انتكاسي سلبي غير مؤكد على الحرب في أوكرانيا والصراع المجمّد في سورية والنزاع الدولي حول دول الجنوب الافريقية.
من جهة اخرى، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في بداية الشهر الحالي، إنه أرسل «مجموعة مقترحات ملموسة» لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بهدف إحياء الاتفاق، ولكن من بين المطالب الرئيسية لموسكو، إعادة ربط البنك الزراعي الروسي بنظام «سويفت» للمدفوعات العالمية، حيث ان الاتحاد الأوروبي كان قد قطع هذا الربط في يونيو (حزيران) 2022 في إطار عقوبات قاسية فرضها على روسيا بسبب غزوها أوكرانيا.
باعتقادي أن هذه المرحلة مرحلة تغيير، من ميزاتها الخطاب السياسي الصحووي، وتعتبر بداية الصحوة عند الكثيرين، في ظل المفارقات العجيبة التي تحتاج الى دراسات وابحاث عديدة للوصول الى الاستنتاجات الكبيرة، فقد آن الاوان أن نصحوا من سباتنا القديم سبات الغفلة والجهل والغدر، واللغط في مفهوم الهوية والانتماء أمام السيل الثقافي المتغير والزاحف والقادم من الشرق والغرب والشمال والجنوب.
كل ذلك كان بسبب الغفلة الاجتماعية والثقافية وزيف الوعي وتفشي المظالم والفساد وعدم وضوح السياسات التي من شأنها ان تكون رافعة للبناء الاقتصادي – الاجتماعي وتحقق التوازن المطلوب ، حيث أضحت البوتقة النفسية والاجتماعية والثقافية التي نعيش فيها منتجاً لحاضنات الفهم التعيس لواقع الحياة ، التي في تجلياتها ودروسها وتاريخها مفهوم التغيير الحتمي الذي لولاه لما تقدمت الحضارة البشرية والانسانية على مر الزمان ، الذي لا يتوقف رغم محاولة بعض البشر التحكم بأفكار الاخرين وامتلاكهم حق التأثير على أحوالهم وتقلبات حياتهم .
لذلك تبرز أهمية الكوادر والموارد ، وترابطهما معاً، في البحث عن مساحات مشتركة ، فالكوادر تعرف بانها : مجموعة من أصحاب العلم و الخبرة والوعي والحكمة ، التي تستطيع خلق المبادرات واستنباط الحلول من خلال المهارة المشهودة لصفاتهم وسلوكهم ( بعيداً عن الوظائف والمناصب ) وبالتالي قدرتهم على تجيير الموارد المتاحة لخدمة الصالح العام ضمن العدالة المتوخاة والاهداف الاساسية واللامركزية الادارية ، وتُعد سرعة تنفيذ هذه التدابير أمراً بالغ الأهمية للنهوض وتجاوز الازمات على المسارات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، التكتيكية منها ( الإسعافية ) والاستراتيجية (طويلة المدى) وصولاً إلى مسار التعافي المستدام .
وعليه تبدو الصحوة في زمن تضييع الكوادر، خير من شيطنة البدائل وهدر الموارد، ولابد من صدمات تنشيطية في زمن الضياع للحفاظ على الاوطان، على الرغم من الاصطفاف النادر لعوامل عدة مؤاتية للتغيير، إلا أن مسار الإصلاح الاقتصادي يبقى محفوفًا بالتحديات على المستوى السياسي ولكنه يجنبنا القهر المزروع فينا.
إن التلازم بين النمو الاقتصادي والديمقراطية مرتبط بالبيئة الثقافية والاجتماعية الموجودة، فمن الممكن أن تقود أزمة اقتصادية طاحنة مجتمعاً إلى حل سياسي ديمقراطي، في نفس الوقت يمكن أن ترتد بنظم ديمقراطية إلى الاستبداد، تحت ذريعة تهديد سلامة المجتمع، فالأزمة الاقتصادية تنال من شرعية الحكومات سواء كانت ديمقراطية أم استبدادية، وتؤثر سلباً على الاستقرار السياسي في أي منهما.
لذا، حان الوقت لإطلاق مبادرة وطنية يُعتدّ بها لتحقيق التعافي الاقتصادي والتوازن الاجتماعي بإرادة سياسية جادّة تحد من القهر المزروع فينا، بدلًا من الاكتفاء باتّخاذ تدابير تقشّفية وتغييرات روتينية كفقاعات الزبد التي لا تغني من جوع، سيما في حال انعدام الأمل بتحقيق نمو اقتصادي في المستقبل ويُتوقّع أن تؤدّي تأثيراته الاجتماعية والسياسية إلى مزيدٍ من اللااستقرار.
في ظل عدم توافر شبكات الامان الاجتماعي التي من شأنها تخفيف الصدمات الناجمة عن الانتقال من نظام الدعم السلعي الذي اثبتت التجارب السابقة إنه مُكلف ماليًا، وغير فعّال اقتصاديًا، وغير منصف اجتماعيًا، ويتخلله فساد مختلف الاوجه، مما يتطلب بلورة استراتيجيات تجدّد وطنية ذات مصداقية، بإمكانها حشد الموارد، وتعزيز قدرات الدولة ومجاراة التقدّم التكنولوجي، والاستفادة من عملية التراجع عن مسار العولمة، والتأقلم مع تحديات تغيّر المناخ والمحاسبة العامة من أجل المساءلة العامة والتحول الى بيئة جاذبة للاستثمار بدلاً من الطاردة وبالتالي تعزيز العيش والحياة.
اننا امام مشهد عالمي واحد، يتجه نحو عالم جديد متعدد الاقطاب والتوجهات ومتغيرات عديدة على المستوى الاقليمي والمحلي والدولي، يفترض بنا كدول وشعوب العمل على ردم الفجوات والتفكير بشراكات تحقق المصلحة الوطنية وتتوازى مع المتغيرات والخيارات بانخراط متحرك جديد يبحث عن المساحات المشتركة وتقاطع المصالح لتحقيق اهداف النضال المشتركة من أجل كوكب وحياة للبشر أكثر سلاماً واستدامة.
يستدعي الحديث عن شمال شرق وغرب سورية والجنوب السوري ، في هذه المرحلة، إطلالة ولو سريعة على المشهد السياسي ، عند مشروع تأسيس الدولة السورية ، عام ( 1925-1930) على خلفية انسحاب الاحتلال العثماني بعد الحرب العالمية الأولى ، والاحتلالات البريطانية والفرنسية ما بعد ، وكسر جغرافيا ” سورية الكبرى ” والتحول الى حدود سورية الحالية ،إذا ما استثنينا بعض المناطق التي تم استقطاعها منها ، نتيجة سايكس – بيكو وما تلاها ، وبالتالي عندما نتحدث عن حدود سورية مع تركيا والاردن وفلسطين ولبنان والعراق ، تتكون لدينا فكرة تقسيمها وإقرارها ، نكون قد وضعنا مسألة التحديات القائمة حالياً إمام حقائق موضوعية تغنينا عن الكثير من الجدال .
اقتباس..
“يتوقف التاريخ (الدموي) العراقي عند محطة مهمة من محطاته الكثيرة، وينقلنا عام 1959 الى مدينة كركوك، التي وصلها البارزاني في ذلك العام، وقد تشبع رأسه بالحلم القومي الكردي، وباتت تطلعاته تتجاوز النيات الطيبة، لرئيس الوزراء العراقي، وقتذاك، عبدالكريم قاسم الذي كان يأمل بقيام جمهورية يكون فيها العرب والاكراد شركاء في الحكم، وحين نتصفح اوراق تلك الايام نجد ان الاحداث الدموية او ما تعرف بـ (مجزرة كركوك) كان سببها الصراع العرقي بين التركمان الذين يشكلون الغالبية في المدينة وبين الأكراد الذين يقولون بان كركوك مدينة كردية او (كردستانية).
بعد وصول حزب البعث العربي الاشتراكي الى السلطة عام 1968 تم اصدار بيان 11 آذار / مارس 1970 الذي يُعد نقطة تحول في تاريخ الحركة الكردية، لأنه ولأول مرة في المنطقة، يعترف للكرد بحقوقهم (القومية) واقامة اقليم للحكم الذاتي ، لكن هذه التجربة لم يكتب لها النجاح ، بعد اصرار البارزاني على الحاق كركوك بالإقليم، ورفض الحكومة المركزية هذا المطلب الذي قد يتسبب بفتح جبهة مع تركيا ، لكون المدينة ذات غالبية سكانية تركمانية ، اضافة الى الأكراد والعرب واقليات اخرى ، التي هدفها السياسي يتجاوز البعد العاطفي بكثير ، والذي يستهدف منع اقامة نواة الدولة الكردية التي ستهدد وحدتها الوطنية ، بسبب التلاحم الجغرافي بين كرد العراق وسورية وايران وتركيا الذين لهم طموحاتهم القومية المعلنة ، لذا ظلت تقف على الحياد وتراقب بحذر تطورات (الحرب العراقية الايرانية) التي كان احد اهم اسباب اندلاعها عام 1980 هو دعم الحكومة الايرانية الجديدة بعد اطاحة الشاه في ثورة عام 1979 لأكراد العراق واندلاع العمليات المسلحة شمالي البلاد مرة اخرى ،
Discussion about this post