من قصيدة (في غيابة الحب)
للشاعر إبراهيم الأسود
الكوكب الواري على أوجِ الذرى
أيكون شِبْهاً ما أريدُ وما أرى
فلعله الـقمر المطلُّ فإنه
أدنى مقاربةً وأروعُ منظرا
أم هل تُراه الشمس فهي وضيئةٌ
وجميلةٌ أيضاً وتبدو أكبرا
أنا لا أحب الآفلين ولستُ مَن
يجري على عرف الجمال كما جرى
للناس ملء عيونهم مما يُرى
من منظرٍ حسنٍ ولي ما لا يُرى
لا يستبين لناظريَّ مصوَّراً
بل يستبيني في الحجا متصوَّرا
ولقد رأيت حلاك في حلك الدجى
فكأنما كان النهار مزوَّرا
وقرأت مختصر الغرام وشرحه
بالرغم أن النص كان مشفَّرا
حُمَةُ الحُمَيّا صَوَّرَتْ لي في الحمى
خِدراً وجِست به الشعور مخدَّرا
أنّى ولم أتعاطَ ممنوعاً ولم
أشرب -وإن ثملت مسامي- مسكرا
ما كنت أدري أو يدور بخاطري
كيف الأهلَّةَ في الأكلَّةِ تُدَّرى
لولا الكواكبُ في السماء نَمَمْنَ لي
عن أخذهنَّ من الكواكبِ في الثرى
يا مَن فَتنت النيِّرَيْنِ وإن هُما
افتنّا بنشر الضوء إذ فَتَنا الورى
ما كنتُ لـمّا كان وجهُك وجهتي
أخشى على وَعَرِ الطريق تعثُّرا
ولقد قضيتُ العمر في يَهْماءَ لو
سَلَكَ السُّلَيْكُ فِجاجَها لتَوَعَّرا
يا من فضحتَ على العِيان صبابتي
وخرقتَ أعراف الهوى مستهتِرا
أفكلما أخطأتَ تبتُ وكلما
أذنبتَ كان عليَّ أن أستغفِرا
مَـنَّـيـتَـني بالوعد حتى إذ دَنا
الأجَلُ المسمّى قلتَ حظاً أوفَرا
وجعلتَ أسبابَ التلاقي عَـزَّةً
فجعلتُ من ماءِ الشؤونِ كُـثَـيِّـرا
قالوا تكلفتَ البديعَ بوصفهِ
وأنا أرى بِدْعاً فأنقُلُ ما أرى
في حُسنِ خِلْقَتِهِ جِناسٌ واضحٌ
فالخصرُ أشبهَ في الضمور الخنصِرا
وشبابُهُ ماءُ الملاحةِ شابَهُ
حتى ليوشكُ رِقَّةً أن يَقطُرا
والسقمُ مشترَكٌ بعينيه وبي
بادٍ لعينَيْ من درى مهما ادَّرى
والليلُ تاهَ بنفسهِ عُجْباً وقد
نَوَّهتُ في غزلي بكونِهِ أسمرا
ولقد فهمتُ بأن دقة ما حوا
هُ من الجمال يجِلُّ عن فهم الورى
أنا والعواذل في خلاف حوله
أنا لست أسمع والعواذل لا ترى
زدني شَتاتاً فيك إني أشتهي
أغدو بعالَمك الجميلِ مبعثَرا
طِبُّ العليلِ من الهواءِ عليلُهُ
ومن الهوى ما كان ريحاً صرصرا
يا قبلةً يمَّمتُ شطرَ جمالها
وجعلتُها للشاعرية مشعَرا
لو كنت صوفياً تَخِذتُ هواك لي
في مذهب الإشراق شيخاً أكبرا
قد كنتَ في عيني عليّاً فَلْأكن
يا أيها المولى بعينكَ قنبرا
يا عاذلي أعذرتَ في عذلي وما
أدركتَ كونَ سُلُوِّهِ متعذِّراً
أتظنني أكثرت فيه وإنني
في وصفه لأقَلُّ من أن أُكثِرا
أن قلت ورداً أو سناً أو سوسناً
أو ياسميناً عاطراً أو عنبرا
أرأيتَ إنساناً بكامل وعيهِ
ويضيف للعسل المصفّى سُكَّرا
فإليك عني ليس إلا ما سمعــ
ــتَ من الجواب وليس إلا ما ترى
Discussion about this post