اللص والكلاب !!
بقلم دكتور…عاطف معتمد
يقول الناقد الكبير غالي شكري إن نجيب محفوظ تعب في هذه الرواية “تعب الأنبياء” كي يتخلص من أساليب الكتابة القديمة في الثلاثية وأولاد حارتنا والأعمال التي شهدت قراره بالتوقف عن الكتابة.
تؤشر اللص والكلاب على مرحلة جديدة، فيها العبارة قصيرة، متخففة من أثقال الوصف المسهب، تستهدف الفكرة مباشرة، بأقل قدر من الجماليات اللغوية التقليدية في مرحلة ما قبل 1952.
صدرت الرواية في 1961 ولا يمكنك إلا أن تجد نفسك متعاطفا بانسيابية مع اللص القاتل أو الذي يشرع في القتل.
السبب بسيط للغاية، لقد جعلك محفوظ تشعر بما تعرض له من خيانة من زوجته التي ذهبت إلى غريمه وحالت بينه وبين رؤية ابنته، علاوة على خيانة المثقف الصحفي الكاتب الكبير الذي انقلب على شعاراته القديمة وانضم إلى ما تريده السلطة وزيف وعي الناس.
كتبت من قبل وجهة نظري عما اعتبره تواضعا في كثير من الأعمال السينمائية التي لم تنجح في نقل مستوى الإبداع الذي كتبه محفوظ.
خذ عندك مثلا تحويل الثلاثية إلى عمل سينمائي ظهر في صورة أحب أن أسميها تهريجا لمساخر ذكورية غازل فيها صناع الفيلم عيون المشاهدين برقص وطبل وزمر وأجساد السيدات العاريات البدينات وقمصان نوم قرمزية اللون في بيوت الدعارة.
أما المفاهيم الكبرى والملحمة الفكرية والمكانية والزمنية فلا يمكن أن تبلغها من خلال الفيلم ، هي في الرواية التي تزيد عن ألف صفحة مكنونة وفي النص مصونة.
لكن “اللص والكلاب” تجربة مختلفة، يبدو فيها الفيلم وقد روج للرواية وتفوق عليها !
والسبب بسيط، فحين انتقل محفوظ إلى كتابة ديناميكية متنقلة بسرعة من موقع لآخر كانت السينما هي أبلغ تعبير ، فقد لعبت السينما على تنويع الضوء والنور والظلام وعلى الحراك البوليسي في التنقل من جريمة لأخرى ومن ضفة النهر إلى عمق المدينة.
لماذا نتذكر اللص والكلاب اليوم في 2023؟
الحقيقة أن مجتمعنا يشهد إعادة تعريف المصطلحات بشكل مدهش، وخاصة لدى جيل الشباب، فاللصوصية تلقى أيضا تعاطفا كبيرا اليوم، وبدرجة تتجاوز أضعاف ما كان عليه المجتمع في 1961.
في الحوارات التي أجراها بعض الصحفيين مع محفوظ أشار أديب نوبل إلى أن الرواية مستقاة من واقعة حقيقية نشرتها الصحف القاهرية وكان المجتمع منشغلا بها خائفا من ذلك القاتل الهارب الذي يمكنه أن يصيب أي ممن يستهدفهم برغبة الانتقام القاتلة.
في هذه الرواية يتكرر لدى محفوظ نموذج المثقف الخائن الذي انقلب على مبادئه مع حصوله على وظيفة جديدة، رئاسة تحرير أو إدارة جريدة أو هيئة قلم ثقافي، فإذا به يغير كل ما كان ينادي به ويكتب للشعب مخالفا كل ما كان يكافح من أجله في سني الشباب.
من نتائج هذه الرواية البديعة أننا نكتشف أن اللصوص – حتى وإن تعاطفنا معهم- غرقى في السذاجة وتدفعهم حمية الانتقام ومن ثم الوقوع في أخطاء انفعالية، أما الذي انقلبوا على مبادئهم فأكثر ثباتا وضبطا للأعصاب ولديهم ذكاء متقد، وحراك دائم، ويتوقعون ما يمكن أن يحدث في ظل علاقات أكثر تشابكا وأكثر يقظة.
Discussion about this post