فاطمة عبد العزيز محمد
_________
ابيض واسود..
يقول تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [ سورة آل عمران: 6]، اي هو وحده الذي يخلقكم في أرحام أمهاتكم كما يشاء، من ذكر وأنثى، وحسن وقبيح، وأبيض أو أسود، فهو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء تصويركم، من ذكر وأنثى، وجميل ودميم، وغير ذلك من مظاهر التفاوت والاختلاف في الصور والأشكال والعقول والميول.
والله تعالى لا يخلق شيئًا عبثًا، ولا يشرع إلا ما فيه مصلحة ظاهرة للعباد، وقد اقتضتْ حكمته البالغة خلق الأضداد، فخلق الملائكة والشياطين، والليل والنهار، والطيب والخبيث، والحسن والقبيح، والأبيض والأسود، والخير والشر، والقوي والضعيف، والغني والفقير، والسليم والسقيم، والعاقل والمجنون، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم: 22]، أي: وأكثر الناس لا يعلمون آية خلق السموات والأرض واختلاف الألسنة والألوان، فلا يراها إلا الذين يعلمون، وقال تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ} [فاطر: 27، 28].
أما من خصهم الله بالسواد دون غيرهم من أصحاب البشرة البيضاء، فإن من حكمة الله في خلقه أن يبتليهم ويبتلي بعضهم ببعض، ليتبين من يشكره ومن يكفره، قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان: 2]، وقال: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 2]، وهو الذي أحسن كل شيء خلقه وصنعه وأتقنه، {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88].
ويجب على الإنسان شكر الله في جميع الأحوال، فإنه سبحانه يجب أن يشكر، ويحب أن يشكر عقلاً وشرعًا وفطرةً، فوجوب شكره أظهر مِن وجوب كل واجب، وكيف لا يجب على العباد حمده وتوحيده ومحبته وذكر آلائه وإحسانه وتعظيمه وتكبيره والخضوع له والتحدث بنعمته والإقرار بها بجميع طرق الوجوب، فالشكر أحب شيء إليه وأعظم ثوابًا، وأنه خلق الخلق، وأنزل الكتب، وشرع الشرائع، وذلك يستلزم خلق الأسباب التي يكون الشكر بها أكمل، ومن جملتها أن فاوت بين عباده في صفاتهم الظاهرة والباطنة، في خلقهم وأخلاقهم، وأديانهم وأرزاقهم، ومعايشهم وآجالهم، فإذا رأى المعافى المبتلى، والغني الفقير، والمؤمن الكافر، عظم شكره لله، وعرف قدر نعمته عليه، وما خصه به وفضله به على غيره، فازداد شكرًا وخضوعًا واعترافًا بالنعمة، وفي أثر ذكره الإمام أحمد في الزهد: “أن موسى قال يا رب، هلاَّ سويتَ بين عبادك؟ قال: إني أحببتُ أن أُشْكَر”.
ويجب على المسلم الا يسخر من شكل الاخر، حيث أن هؤلاء الذين تسخر منهم قد يكونون في حقيقة الأمر خيرا منك وإن بدا في الظاهر خلاف ذلك.
حيث يقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. {الحجرات : 11}.
Discussion about this post