بقلم دكتور … عاطف معتمد
من الدروس الكلاسيكية فيما يسمى الكشوف الجغرافية الأوروبية ما قام به الملاحون الأوروبيون في نهاية القرن 15 بتسمية رأس جنوب أفريقيا بـ “رأس العواصف” حين واجهتهم عقبات صعوبة الاجتياز والعبور بسبب التيارات البحرية شديدة العنف.
ويروى أن البحارة والجغرافيين حينما عادوا من رحلات فاشلة متوالية أقروا اسم المكان بما واجههم هناك من عواصف تطيح بالسفن وتحطمها ومن ثم كان الاسم المناسب على الخريطة هو “رأس العواصف”.
غير أن عقلا مدبرا كان يعرف التأثير النفسي للأسماء على الخرائط وهو الأمير “هنري الملَّاح” حذر البحارة ورسامي الخرائط من الوقوع في هذا الخطأ الممتد الأثر.
وكانت حجة الرجل واضحة وهي أن كتابة اسم “رأس العواصف” على الخرائط ستكون نهاية حتمية لأية جهود مستقبلية لمن يأتي محاولا في المستقبل. ولكن لو كتب الاسم في صيغة الرجاء والأمل ربما تمكن المقبلون من تجاوز هذه المصاعب.
على هذا النحو تم تسمية المكان “رأس الأمل الجميل ” أو “رأس الأمل الطيب” والذي سنعرفه في خرائط القرن العشرين بتحريف طفيف إلى “رأس الرجاء الصالح”، وكانت هناك ترجمة طريفة استمرت لفترة في كتب تراث الجغرافيا العربية الحديثة وهي رأس “عشم الخير”.
تحقق ما كان يفكر فيه هنري الملاح واستطاع البحارة البرتغاليون عبور رأس العواصف التي صارت “رأس الأمل” وتمكنوا من قطع خطواتهم الأولى في جلب الاستعمار إلى العالم الإسلامي في نطاق متصل من الهند إلى مصر.
في كتاب “أعظم الكشوف الجغرافية التي غيرت مجرى التاريخ” يقول مؤرخ روسي شهير إن رحلات فاسكو دي جاما ومن جاء بعده لم تكن لتتم إلا بإرشاد البحارة العرب أصحاب الخبرة العظيمة في المحيط الهندي وفي ساحل شرق أفريقيا خاصة في”مومباسا” و “كلوة” في كل من موزمبيق وتنزانيا.
يقول المؤرخ الروسي إن تقديم العرب هذه المعلومات للأعداء الأجانب كان بسبب وجود خلافات ومكائد فيما بينهم، جعلتهم يعطون المعلومات لإضعاف بعضهم بعضا، ظنا منهم أنهم سينجون وحدهم.
ربح هنري الملاح الرهان، وضرب مثلا فريدا في فهم الأثر النفسي لعلم اللغة وأسماء الأماكن ودلالات الكلمات، ليس فقط على الأفراد بل وعلى مسيرة الحضارات والدول والصراع السياسي والاستعمار.
أصبح المكان على الخرائط يسمى “رأس الرجاء الصالح” أو “الأمل الطيب” الذي كان في الحقيقة نقطة تحول لتفوق الأوروبيين على العرب وبدأت معها رحلة انحدار في المشرق العربي منذ خمسة قرون، تواكبت مع الاحتلال العثماني للبلاد العربية.
Discussion about this post