بقلم الكاتب الصحفي
سعيد الخولى…
.. ومن فضاء السماء إلى أرض جدة كان الهبوط على أرض بلاد الحرمين الشريفين. الخروج من داخل المطار إلى الساحة الخارجية بعد إجراءات الوصول حمل إلى الوجوه لفحا من لهيب الجو، لفحات لهيب تختلف عن أشد لفحات لهيب القاهرة فى قمة ارتفاعها، فلم تستقبل الوجوه فقط بحرارة صعبة إنما أيضا لفلفت الأرواح بمزيج من حنين سريع لحنو قيظ الكنانة قياس لهذا اللفح غير الرحيم وتخوف مما هو أشد،لكن لا بأس فالهدف هو الأسمى ولهيب الدنيا أخف وطأة.. وكان طبيعيا أن يوجد نوع من البطء ومسحة من الارتباك فى ظل استقبال لايتوقف لعشرات الآلاف من الحجيج يتوافدون تترى من كل صوب وحدب، وفى تواليهم وتنوعهم تحقيق لوعد الله القديم لخليله إبراهيم (وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق )، وتردد بداخلى تطور مفهوم الٱية الكريمة والتعبير بلفظ كل ضامر الذى يعنى البعير المهزول، تعبيرا عن وسيلة الوصول وقت نداء الحج الأول وكناية عما يستجد بعدها من وسائل مواصلات لم يكن يتخيلها بشر ولايعلمها إلا خالق الكون والبشر.
وسريعا كانت الحافلات العديدة تحتوينا بداخلها بلطف جوها المكيف وظلها بعيدا عن شمس المطار، وعبر ثلاث ساعات تقريبا كانت عيناى وعيون رفاق الرحلة تسبق جرى الحافلة متعجلة وصولنا لنبدأ طقوس الرحلة المقدسة، وأخذت عيناى ترتفعان وتنخفضان مع حركة الحافلة وهى تعلو مع مرتفعات وتهبط مع منخفضات بين التلال والهضاب بالطريق إلى مكة لأجدنى أعاين على الطبيعة هذه التضاريس الصعبة التى بذلت فيها المملكة والحق يقال جهودا مضنية لترويض طرقها كما رأيت على الطبيعة، على أن هذه الملاحظات لم تمنع العقل من الذهاب بعيدا ولا الروح من التحليق فيما هو فوق هذه التضاريس، اننا فى سبيلنا إلى بقعة ميلاد هذه الشعيرة وبعدها موطن ومهبط الدين الخاتم وذلك ما كان يشغل البال أكثر ويعود بالخيال إلى ذلك الزمن البعيد وكيف كانت هذه البلاد وقتها، وكيف كانت وعورة طبيعتها وهى هضاب وجبال وقفار وشمس محرقة وليال مظلمة والقمر دون منزلة البدر أو بعدها، لكن هذه الاستطرادة لم تدم كثيرا وقتها غير أنها لم تنقطع بعدها طوال الرحلة المقدسة، وها نحن نتوقف مرات عديدة لتكملة إجراءات التسجيل والتفويج التى تنم عن جهد فوق الوصف للتعامل مع وفود ملايين من المسلمين فى ذات الفترة والتواجد معا فى حيز غير كبير بما يستدعيه من استعدادات فائقة ىجهود مخلصة غير عادية على كل المستويات.
وهانحن نحط رحالنا أخيرا قبالة الفندق الذى سنقيم فيه طوال فترة المناسك وقد ارتقى برج الساعة الشهير من بطن المنخفض الذى يقع فيه،وهاهى مئذنة المسجد الحرام ونحن على بعد كيلومتر تقريبا منها،ورغم إنهاك الرحلة من جدة إلى مكة بتوقفاتهاوإجراءاتها إلاأننا لم يكن بداخل منا أى قدر من الصبر أكثر من أن نتسلم مكان الإقامةونضع فيه أغراضنا سريعا ونعود بملابس الإحرام سريعا للحاق بمواكب الطائفين والعاكفين والركع السجود فى بيت الله الحرام،ولتبدأ الرحلة بالفعل،لكن تبقى مشاعر أول لقاء لنحكيها معا إن شاءالله،فإلى الغد بإذن الله.
Discussion about this post