..عن دار Agoragraphic في تونس، صدر للشاعرة التونسية سليمى السرايري، ديوانها الشعري الثالث الذي يحمل عنوان” حين اشتهانا الغرق ”وهو من 192 صفحة وباللغتين العربية والفرنسية ( ترجمة الكاتب الجزائري عمار عموري ) ، وقدم للديوان كل من الدكتور حمد الحاجي والأستاذ الفاضل النايلي – لوحة الغلاف للفنان التشكيلي التونسي سامي الساحلي..تصميم الغلاف الفنان المصمم ملكان سليمان.
وهذه قراءتي أ. حمد الحاجي
ا==========
سليمى السرايري، متمكنة من أدواتها البلاغية حيثما كانت اللغة تتوالد الأحاسيس موحية.. وحيثما كانت العبارة اتسعت الدلالات فهي تكثف نصها وتوجزه وتحيل رمزه إلى التأويل مفتوحا ومنزاحا إلى فضائه التصويري الخصب..النص القصير الوجيز عند الشاعرة سليمى السرايري حالة تكثيف عالية وتشكيل بصري ودفق عاطفي شعوري ودهشة باقية.. تدعو القارئ إلى الوقوف أمام نصها منبهرا وفي كل ذلك تكون قد كسرت أفق انتظاره من خلال تقنيات مختلفة وأدوات نحسبها من فن التصوير والفن التشكيلي.
فالانزياح بنصوصها اعادة صباغة للحرف واختيار للون اللفظ ومقاساته ، والمجاز أصباغ مختلفة تتوالد على مساحة النص لتكون الصورة، والايقاع الداخلي لنصوصها الوجيزة ما هو إلا نغمة ُ توظيفٍ فنيٍّ مبتكر غير مألوف للسائد والخروج به إلى فاتحة الطريق وانفراج المعاني وانبثاق لذة القراءة، اتخذت الشاعرة من التجديد سواء على مستوى المضمون أو الشكل أو الأسلوب طريقا ومنهاجا فالشعر لديها شأنه شأن الخطاب الأدبي عموما لا يشير إلى صوت قائله أو وجهة نظره فحسب، بل يشير إلى صوت الآخر والآخرين في تعدده.
والمراد بتعدد الأصوات في قصائد الشاعرة سليمى السرايري وإن تشابه في بعض سماته الأولية مع نظيره في السرد من حيث أنّه يشير إلى من يقول أو من يقوم بعملية الحكي فإن هذا التعدد بالشعر يتجاوز الصوت المتكفل بالتغيير باللغة بل يتحول إلى تعدد وجهات النظر من خلال تنوع الايقاعات لتكون أصواتا تعبر عن وجهات نظر متباينة.
تقول:الأمنيةُ التي ظلّتْ زَمَناً في صُنْدُوقِ صاحبهاَ،أعياها الانتظارُ ، فاختنقتْ، لذلك لجأت “سليمى السرايري” حتى تصوغ معمار نصها إلى بعض الظواهر الفنية التي أسهمت في تشكيل بناء القصيد ومضامينه، ومن هذه الظواهر نجد تعدد نغمات الإيقاع الداخلي كقيمة أسلوبية وصورة فنية جمالية تكشف مدى قصدية الشاعرة في توظيف تعدد الأصوات لتحدث ايقاعا مخصوصا يحقق التنوع الجمالي والدلالي.
إنّ الصوت في الشعر يستمدّ خصائصه ودلالاته من مقدرة الشاعر على توظيفه في خدمة الفكرة التي يريد التعبير عنها، فالشاعرة تتحكم في أحايين كثيرة بنبرة الصوت بالقصيدة، وتضغط على أصواتٍ بعينها لأهداف نفسية، ودلالية، وإيقاعية، إنّ الصوت في الشعر يستمدّ خصائصه ودلالاته من مقدرة الشاعر على توظيفه في خدمة الفكرة التي يريد التعبير عنها، فالشاعرة تتحكم في أحايين كثيرة بنبرة الصوت بالقصيدة، وتضغط على أصواتٍ بعينها لأهداف نفسية، ودلالية، وإيقاعية.
اذ تقول في هذا القصيد :كَانَ يَرْوِي لها تَفاصِيلَ أَمْوَاجِهَا الثَّائِرَة، بينمَا هِي ،كانتْ تَعُدُّ الدَّقَائِقَ للغَرَقِ القَادِمِ…أثث هذا القصيد ايقاعه وموسيقاه حين تعددت الضمائر(هو/ هي) وتنوعت زوايا نظر كل واحد منهما فكان:
– التقابل الصوتي :اذ تتولد الموسيقى الداخلية فيه من توافق صوتي بين الحروف والحركات والكلمات، اذ تنتج نغمته ذلك التكامل بين الألفاظ والمعاني فالاستهلال” كان يَرْوِي لها تَفاصِيلَ” يهيء النص ليصل إلى نهايته ” كانتْ تَعُدُّ الدَّقَائِقَ” ويحدث نوعا من التقارب بين الأصوات المتشابهة/ المتنافرة لتكون متباينة/ متآلفة في خاصية واحدة هي نقطة التقابل بينها ..والتقابل الصوتي يربط بالجهر ما سيأتي بالهمس لينمي حركية تعدد الأصوات الإيقاعية بالداخل..هكذا أشاع التوزيع الصوتي تنوعا ايقاعيا داخليا حين أقام نغمة تتشابك فيها حركة التشابه والإختلاف وتستوعبها زوايا النظر للواقع الدلالي..
Discussion about this post