بقلم دكتور…
عاطف معتمد
القارئ المعاصر محل هجوم من كل حدب وصوب، شؤون عالمية وصراعات إقليمية وقضايا محلية. وسيكون من الظلم مطالبته بمعرفة كل التفاصيل بطريقة تشبه ما يعرفه المتخصصون.
وقد انتبهت بعض دور النشر الكبرى إلى أن القراء في حاجة إلى “الحد الأدنى” من المعرفة عن كل شيء، بحيث تقدم مثل هذه الكتب طرحا متوازنا بين ما هو سطحى كقشرة هشة وما هو عميق حد التخصص.
ومن بين الكتب التي صدرت بشأن روسيا وأكرانيا ذلك الكتاب الذي يعرض المسألة في نحو 50 سؤال وجواب.
الأسئلة مرتبة زمنيا، كل سؤال وإجابته لا يتجاوز ثلاث صفحات، أقرب إلى مقال موجز. ويمكن للقارئ أن يتوقف عند أي سؤال ويعود إلى الكتاب بعد يوم أو أسبوع دون أن يفقد خط الاتصال.
والكتاب المرفق غلافه صادر في أكسفورد وليس في موسكو ، وبالتالي فهو يحمل وجهة النظر الغربية، ولكنه مع ذلك أذكى من أن يفقد ثقة القارئ بوقوعه في التحيز المطلق المباشر، فالقراء في العالم الحديث تعلموا الرؤى النقدية ولا يقدسون مؤلفيهم.
وحصافة الناشر هنا في أنه لا يقدم تفسيرا عدائيا لروسيا بقدر ما يبسط جذور الصراع في أوكرانيا وشرق أوروبا.
وخلافا لاهتمامنا هنا في العالم العربي بمشاهد الحرب والدمار والدبابات والقتال وبالنتيجة النهائية بين الخاسر والمنتصر، يولي الكتاب في أسئلته البسيطة عناية بالبحث عن الأفكار المحركة للصراع والحرب، والمنهج المتبع هو “الحاضر وليد الماضي”، وأن القصة تبدأ من الحرب العالمية الأولى وصعود الحركات القومية التي بلغت درجتها المتطرفة في الحرب الثانية في الحركة النازية والثأر السوفيتي الستاليني المضاد وما جلبه ذلك على أوروبا من تغيرات راديكالية.
كما يعرج الكتاب على مسألة خطيرة في خريطة أوروبا الشرقية في القرن العشرين وهي المركب العرقي واللغوي والانتماءات المتعارضة والهويات المتقاطعة.
في مثل هذه الكتب تستخدم مجموعة من أبسط المفردات اللغوية، حتى يمكن للقارئ العام فهم السياق في أسرع وقت ممكن.
منذ عام 2014 صدر في الغرب أكثر من 100 كتاب عن روسيا وأوكرانيا، ما بين أكاديمي صرف وشبه أكاديمي. وبالتالي التفت البعض إلى تبسيط كل شيء في صيغة هذا الكتاب الذي يحمل عنوانه الفرعي “كل ما يحتاج القارئ معرفته”.
يبقى أن هذه الكتب على جدارتها تحتاج دوما لتحديث في طبعات متتالية، فقد صدرت الطبعة الأولى منه عام 2015 وكانت أوروبا مأخوذة وقتها بصدمة ضم القرم، وقد تغيرت أساليب وخرائط المنطقة منذ ذلك الوقت، ولا سيما في العام الأخير 2022/2023، وهو ما يعطي لهذا النوع من الكتب أهمية التحديث والتطوير فيما يشبهه البعض بالكتاب العضوي القابل للنمو والتطوير والتعديل وليس الكتاب الساكن الذي انقضى زمنه وفاتت أهميته.
Discussion about this post