بقلم دكتور …
عاطف معتمد
الشهر الماضي كتب أحد الخبراء المصريين المتعاطفين مع روسيا مقالا عن تاريخ العلاقات المصرية الروسية واصفا مرحلة من المراحل بقوله “وقد قام المصريون بذلك بكل أسف”.
تعالوا نعرف القصة، لنفهم ما هو “بكل أسف” الذي يقصده المؤلف الخبير.
حين كانت مصر خاضعة لحكم أسرة محمد علي باشا كانت تركيا العثمانية تخوض حربا ضد روسيا فيما عرف باسم حرب الشرق أو حرب القرم (1853-1856).
طلبت تركيا من واليها على مصر المشاركة في المعارك ضد روسيا، فأرسلت مصر قواتها البحرية التي زادت عن 50 ألف جندي.
وصلت أولى طلائع الجيش المصري إلى الجبهة الروسية مؤلفة من 6 كتائب مشاة ولواء من سلاح الفرسان وكتيبة مدفعية و12 بارجة حربية مجهزة بنحو 640 مدفعا وكان كل ذلك بقيادة “سليم فتحي باشا” التلميذ المباشر لمستشار الجيش المصري الفرنسي “سليمان باشا الفرنساوي”.
دارت اشتباكات دامية بين القوات المصرية والروسية ووقع العديد من القتلى والجرحى من الطرفين سيما على جبهة نهر الدانوب ومضيق البوسفور. ومن بين مشاهد تلك الحرب معركة مهمة بين البارجة الروسية “فلاديمير” والبارجة المصرية “برفاز بحري” وانتهت بأسر نحو 100 بحار مصري وسجنهم في معتقل في عاصمة إقليم القرم في مدينة سيفاستبول.
أما أهم المعارك البرية فكانت في منطقة “سينوب” على الساحل الغربي للبحر الأسود. ثم تكبد الجيش المصري في جبهة القرم والبحر الأسود خسارة أخرى بتحطم الفرقاطة “دمياط”.
وبوصول مدد جديد من الأراضي المصرية تحسن وضع القوات المصرية التي ساهمت مع القوات التركية والإنجليزية في حربها المشتركة ضد روسيا وتمكن 10 آلاف جندي مصري وتركي من المشاركة في حصار الميناء الرئيس “سيفاستبول” لمدة عام كامل ونجحوا في إسقاط المدينة في سبتمبر 1855.
غير أن دخول الشتاء القارس وتفشى الأوبئة ونقص المدد والطعام في صفوف القوات المصرية التركية سمح للجيش الروسي بالعودة مجددا وتسجيل نصر مكافىء قبل أن ينتهي الأمر بتوقيع هدنة ثم معاهدة سلام في باريس عام 1856.
لم تترك هذه الحرب علاقات عدائية بين مصر وروسيا (في تلك الفترة من التاريخ كان الأعداء والحلفاء في تغير وتبدل دائم) بل كشفت عن إمكانية التعاون العسكري بين الجانبين في فترات لاحقة، وقدمت هذه الحرب خبرات كبيرة لعدد من الشخصيات المصرية البارزة مثل الأمير ورجل الحرب والجغرافي عمر طوسون، والشاعر ورئيس وزراء مصر لاحقا محمود سامي البارودي، وغيرهم من آلاف الضباط والجنود والبحارة.
وبناء عليه، لا يجب أن نصف فترة من تاريخ مصر بأنها “بكل أسف” لأن العلاقات الدولية لا علاقة لها بالتعاطف والانتماء والتحيز، ولا علاقة لها بذاتية المؤلف في وصف التاريخ بأنه صواب وخطأ وفرح وأسف.
Discussion about this post