بقلم الكاتب الصحفي
سعيد الخولي….
كلوت بك وبلاطة المصريين
فى زمن تكالبت فيه الأزمات الاقتصادية والحروب والفساد على جيوب الناس في مصر وخارجها، يعود مصطلح ماتحت البلاطة ليطل برأسه بين الحين والحين كلما عدل البنك المركزي اسعار الفائدة او اصدرت البنوك شهادات بعائد مرتفع لإغراء الناس بالعودة للبنوك بدلا من الجري وراء الذهب والمستريحين. واحتارت عيون الناس وأفهامهم في تفسير تعبير ماتحت البلاطة وعلى عكس مايظنه كثيرون فهو تعبير عتيق وليس عصريا فقط وهو جزء من ثقافة المصريين منذ قديم الزمان، وتعالوا لنقرأ معا شيئا عن أنطوان كلوت أو كلوت بك الذى ينسب إليه الشارع الشهير بوسط القاهرة وهو أحد العلماء الفرنسيين والذى استحق لقب بك من محمد على حاكم مصر بعد جهوده لتطوير الطب المصرى وتأسيسه لمدرسة الطب فى أبو زعبل عام 1827 لتتحول بعد ذلك إلى مكانها الحالى بقصر العينى.
وضع كلوت مؤلفا عن مصر والمصريين أسماه”لمحة عامة إلى مصر” تناول فيه مشاهداته وما خرج به عن المحروسة طوال فترة وجوده فى مصر،لكن أطرف ما أشار إليه كان مرتبطا بالموروث الشعبى عن ثقافة “تحت البلاطة” وتحدث عن الحكايات الكثيرة التى تروى وتستوعبها الذاكرة الشعبية عن القدور التى كان يعثر عليها فجأة مملوءة بالذهب والفضة وكانت مخبوءة فى زوايا وجدران المبانى والقصور أو تحت الأرض فى حيلة للتغلب على الظروف الاجتماعية والتاريخية ووسيلة حماية شرعية.ولعل كبار السن ممن شاهدوا بالتليفزيون المسرحية القديمة لفرقة نجيب الريحانى المسرحية باسم “إلا خمسة” بطولة مارى منيب وعادل خيرى يتذكرون أن فكرة المسرحية قائمة على الكنز المخبوء بجدار القصر الأثرى ولها خريطة تدل عليها.
ورصد المؤرخون تأصل ظاهرة تحت البلاطة فى شخصية الشعب المصرى تحسبا لنوائب الدهر وبعيدا عن أعين الناس والولاة والحكام لتتجلى بعض الملامح والقسمات التى تبرز شخصية الناس فى مصر بكل مقوماتها بين الشخصيات الجماعية الأخرى,ومدى الكبت والخوف الذى دفع الناس لعمل حفر عميقة لإخفاء أموالهم،لدرجة أثارت انتباه المؤرخين فى قول احدهم إن أرض مصر لايوجد بها ذراع واحدة خالية من كنز من الكنوز القديمة.
ترى :هل يرصد المؤرخون المعاصرون أن الحقبة الحالية من التاريخ المصرى شهدت أكبر عملية إخراج لما تحت البلاطة بفضل فكر حكومى يشهد له الجميع بالقدرة الفائقة على نكش ما تحت بلاطات الناس بإغراءات تنتهى غالبا للاشئ .لكن أكثر ما يلفت الانتباه أن هؤلاء الذين يستجيبون للطمع والإغراءات الفنتازية هم من يلفتون النظر إليهم بالتزاحم والتسابق فى المشتريات الاستفزازية والبضائع الاستهلاكية لزوم المنظرة والفشخرة والتعالى على من لايملكون فى الأصل بلاطة يدفنون أسفلها ولو فقرهم المفجع..وهم دائما من يلفتون النظر أن ما تحت البلاطة كثير كثير.
هل نعيش عصر نهاية ماتحت البلاطة وصولا لعصر للحلف بأغلظ الأيمان أن البلاطة نفسها بيعت ذات مرة من مرات تحقق فيها المثل الشعبى”طمعنجى بنى له بيت ..فلسنجى سكن له فيه”.؟!
Discussion about this post