بقلم ا. د حسين علي الحاج حسن
لربما بتنا بحاجة جدياً إلى وضع النقاط على الحروف، أكثر من أي وقت مضى، إذ لبنان بات في قعر التاريح، و إنتهى الزمن الذي كان من شأنه، أن يلم الشمل ويحقق وجود وطن بمكوناته، فالواقع المأساوي الذي كانت فيه الأحداث السياسية والأمنية رهينة بالتجاذبات، افضت به إلى الهاوية التي كانت على الدوام تتسع، لاسيما وأن الآلام كانت شديدة وتتعاظم تباعا، ما جعل الرؤيا المستقبلية بوجود وطن منشود مشدودة إلى الوهم ونظرة عمياء لا بارقة أمل فيها، حيث يمكن أن يعول عليها. فالطوائف بحرها وجريرها قتلت أحلام بقاء الوطن، ورمت به في زوايا النسيان مهمشة وجوده، بل وتنلصت من مسؤولية الواقع اللبناني، متهربة من حمل الواقع المأزوم جراء التركة التاريخية المزمنة والمليئة بالفساد.
وللمفارقة، إن الواقع السياسي والاقتصادي ، كان محكوما من عتاة الطوائف، التي عاثت بزمنها من واقع التجربة اللبنانية المتهالكة على أروقة الأمم، بحثاً عن مخارج وتسويات مركبة ، فقد كانت تجاربها تبين عن المشاركات في تركيب الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المرتقب، فيما منعت تلك التسويات على اختلافها من بناء المواطنة والمساواة، سواء في الحقوق او الواجبات التي من شأنها الإقرار بالعافية الوطنية، فيما كانت الحقيقة التي لابد من ذكرها أن لبنان لم يكن وطناً كيانيا يمكن الركون إليه، بل كان عبر تاريخه ملجأ ومكانا مفترضاً لتنفيس الاحتقان السياسي الإقليمي والدولي ، مما سهل وجود طغمة سياسية حاكمة، استخدمت السياسة وسيلة لها، واعتمدت إلى مجموعة من فقهاء السياسة المركبة لتبرير أفعالها في للحكم فعاث هؤلاء فسادا ونهبا. وبالتالي ليس سرا إذا ما كشفنا أن الواقع السياسي اللبناني، لم يكن فيما مضى وطنا بمقوماته الكيانية، فيما لم يكن أيضا من يسكن فيه مواطنا يتحمل مسؤولياته، بل الظروف السياسية حكمت على تكوين الكيان، فكان عبارة عن مكان للتحاذب السياسي الطائفي، لممارسة اللعبة الديمقراطية التوافقية المزعومة من جبابرة الطوائف.
لم تكن الطائفة مشكلة بحد ذاتها، فالمزيج عافية وتلاقح للفكر والثقافة والمعلومات والتفاعل الحضاري، إنما كانت المشكلة في وجود النظام الطائفي، والحقيقة تقال أن بذور الفيدرالية كانت قد بدأت مع كلمات الدستور الأولى، فيما كان لبنان هجينا يتراجع إلى حالة الانغلاق في لعبة الطائفيين المتمرسين بها بلا خجل .
ان من يقرأ التاريخ المعاصر، ويدقق في الدعوات التي تناولت وجود الكيان السياسي اللبناني، يجدها تنادي بالدعوة إلى إقامة لبنان الدولة ، والاندفاع نحو بناء الوطن وفقا للمقومات التي تحتاجها الدول، ولكن ثبت بالدليل القاطع ومن خلال التجارب التاريخية التي مضت، أن تلك الدعوات كانت قد فشلت بسبب النزاعات الداخلية والارتباطات الخارجية والنظام الطائفي، وكان هذا الفشل ثقيلاً وميررا لدى دعاة الديموقراطية، تسويغا للمخاص السياسي المزعوم، فشاعت مرحلة الانحطاط الفكري لدى السياسيين حراء حالة التجاذب والمزايدات غير المقبولة، التي كانت ملاذا للفساد والمفسدين. إلى جانب البدع السياسية اللبنانية، حيث استخدثت الكثير من المصطلحات، منها التوافقية، ولم يبين دعاة السياسة المركبة، مفهوم التوافقية في حالة التعصب الطائفي، فالامن رضائي، وتسويات هشة لا قيمة لها في الشكل النهائي الذي من شأنه أن يحقق وجود وطن.
ان الأفكار التي شاعت في الوسط السياسي كثيرة، فقد بدأت من حرية المعتقد والحرية والمساءلة والمحاسبة وغيرها من الكلمات التي نسمعها من هنا وهناك، والتي كانت مادة فاعلة لتسفيه الحلم، وأداة بيد جماعة ممن إنتزعوا الحس الإنساني والإجتماعي في بناء الوطن. إذ ليس غريبا أن تسمع مناظرة تلفزيونية، لنائب يشرح الواقع اللبناني بكل تجلياته التي يعرفها الناس، ويبين كيف تمت عملية الاحتيال عليهم ونهبهم وسرقاتهم وخياناتهم السياسية، وكيف تتم عملية إقناعهم وهما بما ليس موجوداً . لنخلص إلى نتيجة مفادها أن لبنان أكذوبة تاريخية وجغرافية، وحلبة صراعات مستمرة بينت عن مستوى الإفلاس الأخلاقي والقضائي والتربوي والمالي أمام الأمم، فيما بينت أيضا كل المحاولات الإنقاذية عن مستوى الفشل الذي أدى إلى تباين وجهات النظر . لذا الايمان بوجود وطن لا يمنع من حقيقة قاسية، أن الوطن صار وهما، فالإيمان وحده لا يكفي، وهذا ما يدفعنا إلى المصارحة بشكل علني من سيقوم بمهمة الإصلاح؟ من هي الجهة المسؤولة؟ وهل من جديد في الأفق المنظور؟ .
بقلم ا.د حسين علي الحاج حسن.
Discussion about this post