د … آمال بوحرب
الامارات العربية المتحدة
يقر علماء الاجتماع أن الوعي الاجتماعي تصوير وانعكاس للوجود الاجتماعي ـ أي العلاقات الاجتماعية والحياة الاجتماعية بجميع مظاهرها ـ فهو أيضاً حصاد لمجمل تفاعلات الوعي الطبقي الذي يعكس بدوره وجود الاختلاف في الوعي وفي تفاعلاته مع أعضاء المجموعة فالوعي الاجتماعي إذاً هو منظومة عامة من الأفكار والنظريات للطبقات حول مجمل العلاقات الاجتماعية القائمة، ويمثل فهماً كلياً لها وهذا الفهم الكلي يُعد الشكل الأرقى والأعلى للوعي الاجتماعي.
أما الوعي الفردي يستند إلى أن الإنسان في الجوهر كائن مدرك لتصرفاته المتعددة (بتعدد أبعاد الحياة اليومية وزواياها أي جميع أنواع النشاط الإنساني المادي والروحي) ويرتبط بالوجود المحدد للفرد في جماعة وطبقة ومجتمع معين وبكل أساليب وفرص إشباع حاجاته الروحية والمادية.
إن الوعي الاجتماعي ظاهرة اجتماعية ذات محتوى اجتماعي يتضمن الوجود الشخصي للفرد والطبقة التي ينتمي إليها والوسط الروحي والمادي المؤثر في الوجود الفردي ولهذا لا يستخلص الوعي الفردي من الظروف الفردية الشخصية فقط بل من وجود الفرد في طبقته وجماعته ومجتمعه.
أما عمّا يحدث داخل الفرد فإن الوعي هو العملية التي يقوم بها العقل باستخدام المعرفة المختزنة لديه، لتحديد دلالات المدركات الحسية ومعانيها فالفرد لا يُفسر الرسائل التي يستقبلها في معانٍ مطابقة لها تماماً ولكن يكون التفسير في إطار التفاعل بين الرموز التي يتم استقبالها وبين المعرفة السابقة ذات العلاقة التي يستعين بها الفرد المتلقي.
وقد أوضح جون لوك “أن الوعي هو إدراك ما يدور داخل عقل الإنسان وهو انعكاس لملاحظات الشخص أو لملاحظة عقله للعمليات المتداخلة” وأشار إلى أن صور الوعي متعددة ومتباينة فمنها الأفكار المدركة والتفكير والمعرفة والشكوك ويتم تعلم هذه القضايا الذهنية في أي لحظة ويسمي لوك هذه العمليات “الإحساس الداخلي” ولقد اتفق معه “دوركهايم “ على أن الوعي على المستوى المعرفي لدى الفرد فينقسم إلى نوعين وعي يومي (تطبيق) ووعي نظري و يُقصد بالوعي اليومي وعي ينشأ من الشروط التطبيقية للحياة الاجتماعية وفيه تعبر الحاجات والمطالب البشرية عن نفسها ويُقصد بالوعي النظري وعي يطمح إلى التعبير عن جوهر الظواهر الاجتماعية ويكمن الاختلاف بين هذين النوعين ـ اليومي والنظري ـ في أن الوعي الأول يبقى على سطح الظواهر دون أن تصل تعميماته إلى عمقها ويحاول الثاني التعمق في جوهر الظواهر وكشف قوانين وجودها الفعلي وتطورها ولكن اشكالية معرفة ابعاد الوعي تبقى مطروحة لاختلاف الابحاث فيها وتنوع تفرعاتها و تكاد تتفق الدراسات التي اهتمت بموضوع الوعي الاجتماعي وبأنماطه النوعية ـ سواء كانت طبقية أو سياسية أو تعليمية على أن للوعي أبعاداً أساسية تتمثل أولا في وجود اتجاه أو موقف إيجابي أو سلبي نحو القضية أو الموضوع المراد استطلاع الوعي بشأنه وهو ما يُسمى البعد النفسي الاجتماعي في الوعي اما البعد الثاني يقوم على إدراك القضية أو الموضوع من خلال تفسيره وإبراز إيجابياته وسلبياته وهو ما يُسمى البعد العلمي للوعي أما البعد الثالث والأهم يقوم على تقديم تصور بديل للواقع الراهن لهذه القضية أو ذلك الموضوع الذي يُستطلع الوعي بشأنه وهذا ما يُعبر عنه بالبعد الأيديولوجي. وأخيرا فإن التاريخ أثبت أن الوعي يتحدد بناءً على البنية الاجتماعية للمجتمع (أو الجماعة) والمرحلة التاريخية التي تمر بهاو ما يسودها من علاقات وأوضاع خاصة وتوزيع للفرص الاجتماعية والاقتصادية والسياسية داخل هذه البنية وهذا ما يطرح سؤالا
مفصليا وهو ما علاقة السيكولوجيا الاجتماعية بالوعي ؟وهل يمكن اعتبارها حلقة الوصل التي تنقل تاثير الوجود المادي الى مستوى الوعي الاجتماعي ؟
Discussion about this post