الـــرواد نــيــوز
وتدور أحداث رواية “زمن النساء” حول الفتاة أنطونينا التي لم تستطع التأقلم و العيش في مدينة كبيرة وهي التي نشأت في قرية. استطاع أحد الرجال بسهولة أن يغرر بها فانجبت منه طفلة عاشت لسنوات لا تقوي على النطق.
ولكن انطونينا سرعان ما تمرض وكان عليها أثناء مرضها واحتضارها أن تترك ابنتها الصغيرة إلي جاراتها العجائز الجدات جليكيريا وأريادنا ويفدوكيا، وترجوهن أن يتعهدنها برعايتهن. واستطعن بالفعل أن يقمن بالمهمة وشبت الفتاة رسامة موهوبة ومشهورة حتى أن الجزء الأخير من الرواية عبارة عن حديث البطلة الصغيرة عن نفسها.
تتناول الرواية أيضا حياة ومصير العجائز الثلاثة، ومن خلال حياة البطلات تلقي الكاتبة الضوء على الواقع الروسي في القرن الماضي، ومن الملفت براعة تشيجوفا فى تصوير حياتهن في الشقة المشتركة وايضا في التعبير عن عوالمهن الداخلية و و معاناتهن.
والمثير للأهمية هو أن تكون العجائز بطلات الرواية. نري كيف يعشن بمفردهن و
يعانين من فقدان الأولاد أو الأزواج، كيف عشن سنوات صعبة أثناء حصار مدينة
لينتجراد خلال الحرب العالمية الثانية وكابدن فقدان كل الأحبة ولذا فقد أولوا كل
عنايتهن إلي الصغيرة صوفيوشكا.
ياتي السرد على شكل قصص و حكايات تحكي علي السنة كل بطلات الرواية الخمسة
صوفیوشکا او سوزانوتشكا الطفلة وأمها البطلة الرئيسية أنطونيتا والجدات يفدوكيا وجليكيزيا وأريادنا..
بالاضافة إلى ذلك نجد بعضهن يلخص جزءا من الأحداث من وجهه نظره الخاصة. وتمثل الديالوجات والمونولوجات مساحة كبيرة في الرواية.
الأسباب الرئيسية لنجاح تداول الرواية في عروض مسرحية مختلفة، ورغم أن معظم الحوارات تبدو حول الحياة العادية في لينتجراد داخل الشقق الحكومية المشتركة في الخمسينيات والستينيات، إلا أنها في الوقت نفسه تعبر عن الكثير من الأفكار والقضايا خلف السطور.
جمعت هذه الشقة المشتركة بين جدرانها مجموعة من النسوة لكل شخصيتها وتجربتها ومستواها الثقافي والاجتماعي ثلاث نسوة عجائز كل منهن مختلفة وساحرة، كل منهن لديها ماضيها الخاص وطابعها الخاص، لكنهن يتشابهن فيما بينهن في هشاشتهن وعند الضرورة …. في جلدهن و صبرهن.
# وقد جعلت الكاتبة من أنطونينا القاص الرئيسي في الرواية حيث تجسد حلقة الوصل بين الماضي والمستقبل كما أنها في نظر الكاتبة تمثل الأم مركز العالم.
عن الماضي، حتي تطرح أنطونية في الروايه افکارا و قضايا مختلفه و تعکس كلماتها و عباراتها المشاكل الحياتية والاجتماعية والسياسية المعاصرة، وخلافا لما يدور حديث العجائز الثلاثة في اغلبية المفردات التي يستخدمنها هي مفردات من الماضي. كل ما يربطهن بالحاضر هو تربية الطفلة الصغيرة لاغير.
لكل منهن رؤيتها الخاصة في تتشنه الصغيرة وكل منهن تحاول أن تنقل إليها خبرتها الحياتية وتحكي لها أخباراً عن العالم وتعلمها كيف تعيش كل ما تعرفه الصغيرة عن العالم استقته مما سمعته من حوارات جداتها و حكاياتهن.
سوزانا أو صوفيوشكا بكماء منذ مولدها ولذا فإن شخصيتها تتكشف لنا فقط كم خلال حوارها الداخلي مع نفسها وما وراءه من معان وافكار تري سوزانا أن العالم الأكثر واقعية منها وقربا هو عالم الموتى ولذا فهي تنقل إليه نماذج وأشخاصا من عالمها المحيط والذي يبدو بالنسبة لها خياليا وغير واقعي، و لذا تجدها دائما مشغولة بالعالم الآخر..
استطاعت يلينا تشيجوفا في روايتها تصوير ثلاثة أجيال من النساء تجسد من خلالهن ماضي وحاضر ومستقبل روسيا وهي بذلك تسير علي درب كبار أدباء روسيا ولعلنا هنا نتذكر مسرحية الكاتب الروسي الكبير أنطون تشيخوف “بستان الكرز” استطاعت تشيجوفا ببراعة أن تفصل نفسها زمنيا عن بطلاتها ومن خلال خلقها لصدامات و خلافات بين وجهات النظر والرؤي المختلفة، طرحت بشكل رائع ذاك التباين الواضح و الخلاف الدائم بين الأجيال. ولعل مشهد اختيار اسم الفتاة خير تعبير عن ذلك.
لكل من بطلات الرواية حقيقتها الخاصة التي تعبر عنها بلغة و مفردات خاصة بها.
فحديث أنطونينا بسيط كحديث كل امراه غير متعلمة ولذا نجدها تستخدم الكثير
من المفردات الشعبية وأحيانا حتي تخطئ في الهجاء.
و لا يختلف حديث الجدات جليكيريا ويفدوكيا كثيرا عنها وذلك بسبب افتقادهما للثقافة و المعرفة والعلم، أما الجدة أريادنا فحديثها أكثر دقة وثراء وذلك لأنها تعود بأصولها إلى عائلة ارستقراطية وتلقت تعليما جيدا.
وفيما يتعلق بزمن ومكان الرواية فأحداثها تدور في الخمسينيات و الستينيات من القرن الماضي في مدينة لينتجراد سان بطرسبرج (حاليا). و رغم ذلك فإن القضايا التي تطرح في الرواية علي لسان بطلاتها تتسم بكونها قضايا ابدية لا ترتبط بزمن معين بل تتكرر في كل زمان و عصر..
تبني تشيجوفا حكايتها من وجهة نظرها الخاصة. لا يوجد قاص في الرواية بل هناك
حکاوون لكل منهم رؤيته ووجهة نظره الخاصة علي الأحداث ولكل منهم أيضا سماته النفسية و الكلامية الخاصة.
وتحاول تشيجوفا الاستفادة من وفرة وجهات النظر والرؤي تلك في سبيلها لخلق
لوحه فريدة للعالم تكون في مركزه المرأة حامية التقاليد و الذاكرة التاريخية وربة البيت و أولا و أخيرا الام ..
تشيجوفا في روايتها ” زمن النساء ” لا تصف الزمن بل تحاول جاهدة أن تكتشف وتستخرج باطنه و معناه فكل معاني الحاضر تأتي من الماضي.
هذا الأخير لا ينفك يؤثر علي كل ما يعقبه من أزمنه و أجيال..
ربما لا يحتل المضمون الظاهري للعمل الأهمية الأولي بل أن أكثر ما يأسر القارئ هو هذه الهالة الروحانية التي تحيط بالبطلات و هي الهالة التي لا يمكن التعبير عنها بالكلمات وتشعر بها في كل سطر و كل صفحة من صفحات الرواية.
نستشعرها في الخيوط وحبال الذكريات الخاصة عند البطلات وفي معاناتهن الخاصة وقضائهن ايامهن يوما بعد يوم.
كل هذا يدفعنا إلي النظر إلي الماضي و التمعن فيه والشوق إليه عند قراءتنا
للرواية………
ترجمة … محمد نصر الدين الجبالى Mohamed Nasr Elgebaly
Discussion about this post