بقلم الكاتب … الصحفي سعيد الخولى
ترى:هل نحن الآن فى احتياج شديد لهذا العام الذى فيه يغاث الناس؟
مع الفارق بين السياق الذى وردت فيه الآية الكريمة من سورة يوسف وبين مانحن فيه،فقد كانوا مقبلين على جدب وندرة مئونة وشحة غذاء، فهل نحن الآن فى هذه المواصفات نعانى جدبا وشحة وفقر غذاء أم نعانى ماهو أكبر؟
***
بين الركعات الأربع الأولى من تراويح الليلة الماضية والركعات الأربع الأخرى كانت جلسة التراويح للشاب الذى يتولى ملء تلك الدقائق بنوع من الوعظ والتوجيه والتمعن فى بعض آيات من القرآن،وهو شاب لايرتدى زى الشيوخ ولايبدو بهيئة غالبيتهم،لكنه يمتلك كثيرا مما يفتقده كثيرون منهم وهو سعة القراءة والاطلاع، يأتى للتراويح بجلبابه المعتاد من المنزل خفيف الذقن جلس فى الليلة الثالثة من رمضان ليحدثنا فاستملحنا حديثه الذى يعتمد كثيرا على القصص القرآنى واستخلاص العبر منه،وأنا شخصيا جذبنى إليه بساطة فى غير تقعر وطلاقة فى غير تعثر وتعبير فى غير تعسر، حتى كانت ليلة الأمس وهو يتناول سورة يوسف بالتدبر وبأسلوب شائق فى الحكى ومعلومات جيدة فى شخوص القصة الذين ذكروا فيها بألقابهم ومراكزهم وتولى هو من قراءاته ذكر أسمائهم كما طالعها فى كتب التفسير وغيرها التى تناولت سورة يوسف على وجه التحديد باستفاضة،وكان وصوله إلى حلم الملك عن البقرات السمان والأخر العجاف والآية الكريمة ” ثم يكون عام فيه يغاث الناس ويعصرون” ليخرج بالقاعدة التى قالها كل من تناول لفظة سنة ولفظة عام بالشرح وتبيين الفرق بينهما من خلال نفس السورة وأن لفظة سنة ولفظة عام تدلان على فترة زمنية واحدة وتترادفان فى المعنى غير أن لفظة سنة تعبر عن فترات الشدة والحزن وأن لفظة عام تدل على الفرج والفرح..وهنا قاطعته بقولى:ليس على الإطلاق يامولانا. فقال لى :بل على الإطلاق،ولو عندك مايفيد غير هذا فاذكره.
قلت له:أعلم أنه مابين لفظتى “سنة “و”عام”يتحرج الكثيرون فى استخدام اللفظتين للتعبير عن التهنئة وقصر التهنئة والمناسبات السعيدة على لفظة “عام” والعكس صحيح.ويستندون فى ذلك إلى الآيات الواردة فى سورة يوسف:”ثم يأتى من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصدون”,قوله تعالى:”ثم يأتى من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون”.بل إن الكثيرين يحكمون بعدم استخدام كلمة سنة إلا تعبيرا عن الشدة والحزن وامتناع استخدامها تعبيرا عن الفرحة والسرور.
لكننى أرى أنه ليس هناك حرج فى استخدام كلمة سنة فى مناسبات التهنئة والمباركة استخلاصا من نفس السورة فى قوله تعالى :”تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه فى سنبله إلا قليلا مما تأكلون”،والمعنى أن سنوات ماقبل الشدة المليئة بالزرع والحصاد والخير عبر عنها القرآن أيضا بلفظة سنين جمع سنة وليس بلفظة أعوام.
ولم يقتنع الشيخ بمنطقى وأصر على المفهوم المتعارف عليه للفظتين، ولم أشأ الاستطراد فى حوار يطيل الوقت دون اتفاق أو حتى دون وعى كثير من الموجودين بأدلة كل منا.. وهو مادعانى لإعادة البحث عن مواضع ورود اللفظتين ،وكان من بين ماقرأت ويؤكد المفهوم الشائع أن كلمة سنة ذكرت في أكثر من موضع، حيث وردت مفردة في سبعة مواضع، ووردت في صيغة الجمع في 12 موضعاً، بينما ذكرت كلمة عام بصيغة مفردة فقط، في سبعة مواضع، وهذا دليل على أنّ أعوام الخير قليلة، ومن هنا نستدل على الحكمة من اختلاف المعني بينهما، ففيها حث للإنسان على الصبر على الشدائد، وتذكير للقيام بالأعمال الصالحة، لنيل الأجر، والرخاء لاحقاً. استخدمت كلمة سنة لتدل على الأيام الشديدة، والحزينة، بينما استخدمت كلمة عام لتدل على انفراج الهم، وجلب الخير والسرور، ومن الأدلة قوله تعالى: ( تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا)[يوسف:47]، أي سبع سنين من العمل الشاق، وبذل الجهد، والتعب، ومن ثم قوله تعالى: (ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ)[يوسف:49]، أي عام فيه الفرج من المعاناة، التي مر فيها الناس في السبع سنين السابقة. استخدمت كلمة عام للدلالة على الرضاعة، بقوله تعالى: (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ)[لقمان:14]، حيث تشعر الأم خلال عملية الرضاعة بالحب، والتقرّب من طفلها، كما يشعر الطفل بالحنان، ومن خلال الرضاعة يحصل الطفل على الحليب الجيد، اللازم لنموه بشكل سليم. وردت كلمة السنة في العديد من المواضع مقرونةً بمدّة معيّنة، أي عدد صريح وواضح من السنين، على سبيل المثال قوله تعالى: (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا)[العنكبوت:14] تدلّ على المشقة والتعب الشديد الذي مرّ بهما نوح عليه السلام، وهو يدعو قومه لعبادة الله.
لكن هناك مواضع أخرى وردت فيها لفظة عام دون أم تدل دلالة قاطعة على معنى الفرح والفرج ومنها قول الله تعالى في سورة البقرة: (أو كالذي مرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام..) (البقرة 259)، وليس في الآية ما يدل على الشدة أو الرخاء، ومثل ذلك قوله تعالى:
(إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) (التوبة 28) وقوله تعالى في نفس السورة: (إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما) (التوبة 37)، وقوله تعالى: (وحمله وفصاله في عامين) (لقمان 14).
لكن المصممين على الفرق بين اللفظتين يردون على هذه المواضع بأن الفرق بين العام والسنة لا يقتصر على مسألة الشدة والرخاء، بل من الممكن أن يكون هناك فروق أخرى يقتضيها السياق.وهو رد يفتقد شيئا ما إلى المنطق ،وتذكرت المسمى الشهير لحادثة الفيل وهو عام الفيل
،وبهذا المنطق كان يجب تسميته سنة الفيل ارتباطا بالشدة التى تسبب فيها الفيل وأبرهة يهاجم به الكعبة والشائع كذلك اقتران بعض المناسبات الحزينة فى التاريخ الإسلامى بلفظة عام ؛ومنها عام الحزن وعام الرمادة،وكذلك اقتران الهجرة غالبا بلفظة سنة مثل سنة الهجرة ورأس السنة الهجرية ومع التأريخ لأى حدث نستعمل غالبا فى كتاباتنا بل فى كتب التراث والفقه لفظة سنة مع الأحداث الإسلامية لافرق فى ذلك بين حدث سعيد أو حدث غير سعيد.
وأعود للسؤال الذى بدأت به المنشور باحثا عن إجابة له فماذا ترون أنتم؟
Discussion about this post