د . محمد ضباشه
عضو اتحاد كتاب مصر
حث القرآن الكريم في محكم آياته على قيمة التكافل الاجتماعي بين البشر، ونوه على وجوب وقوف الغنى بجانب الفقير، والقوي بجانب الضعيف ماديا والمريض جسديا ونفسيا بحيث يكون البشر كافة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، لكي تستقيم الحياة البشرية على الأرض بعيدا عن الصراعات والبغض والحقد ، وهذا يبين عظيم الجزاء الذي ينتظر المعطي إذا أعطى قاصدًا بعطائه وجه الله,حيث قال الله تعالى: “الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” (البقرة: ٢٦١).
وبما أن شهر رمضان هو الشهر الذي أوله رحمة وأوسطه مغفرة ونهايته عتق من النار فيجب على الإنسان المسلم أن يقدم فيه مزيدا من الطاعات تقربا لله ومنها التعاون على البر والإحسان والتسابق إلى فعل الخيرات والمسارعة في البر والإحسان ومختلف أصناف الخير في ذلك الشهر الكريم، ومن بين ذلك تقوية أواصر المحبة والألفة بين الجميع ومن يفعل غير ذلك يقول الله تعالى فيه : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)، وقوله سبحانه وتعالى: (كَلا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ).
لقد مثَّل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى والقدوة الحسنة في الجُود والكَرَم، فكان أجود النَّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فكان أجود بالخير مِن الرِّيح المرسلة.
(وقد بلغ صلوات الله عليه مرتبة الكمال الإنساني في حبِّه للعطاء، إذ كان يعطي عطاء مَن لا يحسب حسابًا للفقر ولا يخشاه، ثقة بعظيم فضل الله، وإيمانًا بأنَّه هو الرزَّاق ذو الفضل العظيم)
– عن موسى بن أنسٍ، عن أبيه، قال: ((ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئًا إلَّا أعطاه، قال: فجاءه رجلٌ فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم أسلموا، فإنَّ محمَّدًا يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة )).
ويضرب لنا الإمام على كرم الله وجهه وابنيه وزوجته فاطمة الزهراء مثالا على العطاء والتكافل الاجتماعي ففي السيرة يذكر “أن عليا وابنيه وأمهما فاطمة رضي الله عنهم أجمعين آثروا على أنفسهم ثلاثة أيام، وأصبحوا الرابع يرتعشون، فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ساءه ذلك، فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام بهذه السورة مهنئا له بها” ولا يستبعد الصبر على الجوع هذه المدة لأنه ربما كانت للنفس هيئة قوية من استغراق في محبة الله تعالى أو غير ذلك، فهبطت إلى البدن فشغلت الطبيعة عن تحليل الأجزاء فلا يحصل الجوع كما أنا نشاهد الإنسان يبقى في المرض الحاد مدة من غير تناول شيء من غذاء ولا يتأثر بدنه لذلك، فلا بدع أن تقف الأفعال الطبيعية في حق بعض السالكين وهو أحد القولين في قول النبي صلى الله عليه وسلم “إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني” وقد أنزل الله فيهم قوله تعالى «إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا».
وانطلاقا من قول النبي محمد صل الله عليه وسلم الخير في وفي أمتي إلى يوم الدين نجد من الناس من يسير على درب الحبيب المصطفى في العطاء والكرم والتكافل الإجتماعي وربما كان فيديو لرجل تاجر من دولة العراق الشقيقة يظهر فيه ممسكا بـ دفتر الديون التي تحق له وأشعل فيه النار تبرئة لذمة كل مدين له قبل حلول رمضان بيوم واحد، نظرا لظروف الغلاء التي اجتاحت معظم أرجاء الوطن العربي.
Discussion about this post