أعرفهُ طفلاً منذُ سنوات.. صغيرٌ بعُمرِ حُلُمِ يقظة داهمَ بالاً شارداً لِثوان..
لم يُشبه بقيّةَ فتيان الحيّ مُطلقاً.. كانَ يتوسّدُ مجرّاتَ عينيه البريئتين كوكبُ سلام..
تضيءُ سماءَ وجهه الصّافية شمسُ ملامحٍ تخالطُ أشّعّتها مئةَ سحابةِ خجلٍ كلّما حادثتهُ فتاة..
أعرفهُ طالباً بلغَ الإحدى عشرَ عام، صارَ ولداً شقياً كمُعظمِ الصّبيان، ابتلعَ ثُقبٌ الوقتِ الأسود ثُلثَ كوكبِ السّلام ضمنَ عينيه، أصبحت نظراتُهُ احتمالَ حربٍ واردٍ بعضَ الأحيان!
رياحُ الحبّ الأوّل عصفت بقلبه، فأمطرَ سحابُ خجله وابِلَ شجاعةٍ غزير، كُنتُ تلكَ الأرضَ الموفّقة التي حبتها الاقدارُ استقبالَ أوّلِ شتاء ثُمَّ تعاقُبَ جميعِ فصوله بعدها، كلَّ طقوسه ومناخاته..
شاء قضاءُ اللهِ أن أضحي نجماً لا يسبحُ إلّا بأفلاكه!
رُحتُ أعرفهُ أكثرَ من أيّ وقتٍ مضى، أكثرَ من أيّ إنسان، أبتلعُ معرفتهُ لُقمةً تلوَ الأُخرى، غُلاماً يكبُر، يلعبُ مع رفاقه، يتشاجرُ معهم، كسولاً فاراً من حصصه المدرسيّة ذات يوم، مُجتهداً حائزاً لدرجاتٍ عالية في امتحاناته النهائيّة ذات آخر..
عرفتهُ قوياً تارةً، ضعيفاً تارات، ضاحكاً مرّة، وباكياً مرّات..
رأيته وهو متذمّرٌ، مُستبشرٌ، غارقٌ في اليأسِ، مشحونٌ بالأمل..
لم تُفلت يدي تفصيلاً واحداً لِوهلةٍ واحدة..
تتالت اللّحظات، انقضى زمنٌ!
هكذا بعَجَلِ لفظِ الكلمات..
هو اليوم شابٌ على بابِ إتمامِ الثّامنة عشر، ما عادَ أياً ممّا ذُكِر أعلاه..
لا أعرفهُ الآنَ قطعاً، باتت معرفتهُ تحملُ طُعماً جديداً، طُعمُ تغييرٍ سيّء المذاق..
بات غُصَّةً في حنجرتي يستحيلُ بلعُها!
بات غُصَّةً في حنجرتي
وحنجرةِ الماضي
والذّكريات.. .
بقلم الكاتبة … رغد فادي سقيّر
Discussion about this post