——————–
عمّان ، فيلادلفيا
——————–
لا أشعر أنني غادرت سوريا حين اتجه إلى عمّان ، وقد تكررت زياراتي لها ، حيث تقطع المسافة بين دمشق وعمان بأقل من ساعتين في السيارة ، ولا يشعر الأردني القادم إلى دمشق بأنه خرج من وطنه حين يزور سورية ، فالبلدان أسرة واحدة، وصلات القربى بين العائلات عريقة وعميقة، وكنت في كل زيارة لعمان أستمتع بلقاء أصدقائي الأردنيين ، و بسلسلة من دعوات الغداء والعشاء الترحيبية من السوريين الذين سكنوا في عمان من سنين، وفي إحدى الفيلات الفاخرة التمّ على العشاء حشد من الأصدقاء، جلهم من الأدباء والفنانين ورجال الأعمال، ولم يكن سهلاً أن تعرف الأردني من السوري أو الفلسطيني أو اللبناني، ما جعلني أعلق ضاحكاً، وأقول (أهل مصر أصابوا حين اختصروا تنوعنا فسمونا برّ الشام) وفي إحدى زياراتي القديمة لعمّان أواخر التسعينيات قمت بتسجيل عدد من اللقاءات الأدبية مع كبار أدباء وفناني الأردن، وما زلت أذكر بامتنان ما لقيت من ترحيب زملائي في التليفزيون الأردني، ولعلي كنت من أوائل رجال التليفزيون العرب الذين سعوا إلى التعامل مع مدينة الإنتاج التليفزيونية في عمان ، وكان يديرها آنذاك الصديق العزيز الأستاذ جواد مرقة الذي توفي مؤخراً رحمه الله ، وقد سجلت برنامجين أحدهما حمل اسم (عناوين) والثاني حمل اسم (حروف مضيئة) وفي زيارة أخرى سجلت مقاطع مهمة من برنامج ثقافي أنتجته لصالح المنتج الكبير الذي غادرنا فجأة الصديق رياض الشعيبي رحمه الله، وكان يدير مؤسسة الخليج للإنتاج الفني، وهو مؤسس في تلفزيون دبي، وكان اسم البرنامج ( مائة عام من الإبداع) حاولت فيه أن أقدم كشفاً عما أنجزته الثقافة العربية خلال مائة عام من القرن العشرين، وقد استضفت فيه نحو خمسمائة أديب وفنان ومفكر عربي، وكانت حصة مبدعي الأردن وافرة فيه، وقد أتيح لي في تلك الزيارة التي لا تنسى أن ألتقي المؤرخ الكبير الصديق أحمد صدقي الدجاني (رحمه الله) وقد أجريت معه حواراً مهماً حول القضية الفلسطينية وهو الخبير الضخم فيها، كما التقيت العالم الكبير السياسي والأكاديمي الدكتور ناصر الدين الأسد الذي تجاوزت عناوين كتبه السبعين عنواناً ونيف، و التقيت الروائي الكبير مؤنس الرزاز الذي رحل مبكراً بعد أن ترك للمكتبة العربية أكثر من إحدى عشرة رواية مهمة، وقد توفي رحمه الله عام 2003 كما حاورت الناقد فخري صالح والباحث أسعد عبد الرحمن والشاعر جريس سماوي رحمه الله ، وتعرفت إلى عدد كبير من الأدباء الأردنيين الذين قدموا إضافات مهمة لأدبنا وثقافتنا العربية، ولم تنقطع صلتي بأدباء الأردن وفنانيها، فقد بدأت هذه الصلة مع عدد من المنتجين الذين كانوا يعملون على إنتاج دراما عربية تضم شمل المبدعين العرب، ومن أبرزهم الصديق العزيز إسماعيل كتكت رحمه الله ، وقد بدأ كاتباً ثم تفرغ للإنتاج الدرامي .
و كنت أتأمل في عمان حداثتها وتطورها العمراني المتسارع ، لكن تاريخها العريق شامخ في ذاكرتي، فهي فيلادلفيا الشهيرة التي يعود تاريخها إلى العصر الحجري، وتعود تسميتها فيلادلفيا إلى اسم القائد الإغريقي فيلادلفيوس الذي حكمها في القرن الثالث قبل الميلاد، وكانت جزءاً من الدولة النبطية العربية، ثم استولى عليها الرومان وأعيد لها اسمه (عمّان ) وفيه تصريف بسيط من اسمها الأصيل في اللغة السامية (عمّون) وكانت زيارتي للبحر الميت نزهة لا تنسى، وكنت أستمتع بضياعي اليومي بين الجبال والوديان حين أعود آخر الليل وحيداً في سيارتي باحثاً عن الفندق الذي أقيم فيه، فتأخذني الطرق في سفر غير قاصد، لكنني أجد النشوة في التعرف الأعمق إلى المدينة الجميلة التي أحببتها كما أحببت شعبها الشقيق·
Discussion about this post