الكينغ يكتب …..(ألفة اليُوسفيّة وضمير الأمّة الشّرجيّة).
كمال العيّادي الكينغ
1- (هوامش، حول د. ألفة يُوسف Olfa Youssef)
منذ سنتها الأولى بالإبتدائي وحتّى تخرّجها و زواجها العادل، من (سيّدنا الخِضر) وترتيبها دائمّا الأوّل مع شهادة (مُشرّف جدّا)….وهذا سبيل ومنهج.
وهي من فصيلة نادرة جدّا من الجنس البشريّ الذي يقترح ويبادر ولا يردّد ويجترّ ويستجيب. تّم تهريب جينيّاتها، إلى تونس الخضراء، قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة، عبر أسطول صغير هارب من الشّام وفي أحد القوارب المصنوعة من خشب الأبنوس، ومخفيّ بعناية في عمق صدر ووجدان جدّتها عليسة، صاحبة أمجاد قرطاج العظيمة، فكانت مثلها من أولى العزم. ولم يحدث وأن أثارت إمرأة عربيّة حول مبادراتها واختلافها وشجاعتها الجدل، أكثر من المغفور لها أروى القيروانيّة والمرحومة نوال السّعداوي وألفة يوسف.
سنة 2014، وأنا في القاهرة، اتصلت بي قناة لبنانيّة معروفة، تسأل إن كان من الممكن أن أستقبل فريق التصوير لبرنامج فكري ببيتي. ولكن اللّقاء لن يكون حول مُنجزي أنا، بل حول مُنجز بنت بلدي، الدّكتورة ألفة يُوسف. أسأل المُتّصل عن هويّته، فيردّ بأنّه منتج البرنامج والمدير التنفيذي للقناة.
أسأله ثانيّة:
– ولماذا في بيتي وليس في فندق مثلا، اذا كانت قناتكم في لبنان؟!…
فيردّ بأنّ ذلك بالأساس بسبب البيروقراطيّة في مصر. وأنّ تصريح تصوير الحلقة سيحتاج أشهر، وهم يحتاجون التسجيل بعد أيام قليلة ليعرض ضمن حلقة خاصّة عن ألفة يُوسف.
أسأله: – ولماذا إخترتني أنا بالذات وأنا لست بلبنان ولست بتونس؟!…
فردّ: – لأنّ الدكتورة ألفة يُوسف إختارتك أنت بالذات وهي التي مدّتنا ببياناتك.
وسألني عن قيمة المكافأة التي أقترحها، خاصّة وأنّ التصوير في بيتي، فأجبته، بأنّنا لا نقبل مكافآت، عن شهادة في حقّ واحد من السلالة ذوات الدّم والحبر النّقيّ الأزرق.
وأظنّ أنّني تحدّثت بحماسة وصدق، وتمّ بثّ الحلقة وهي مُتوفّرة باليوتوب ومحرّكات البحث.
2- (حكاية مُختلقة، حول ألفة يُوسف):
– ذهب الرّئيس، (السّعيد)، الحاكم بأمرهِ، في غرغُورة شهر نوفمبر، عام الكرونة الخامس، الموافق وفق التقويم اليثربيّ، للواقف من ذي القعدة، إلى سوق الدواب والعلف، ليشتري بغلة، يتفقّد عليها حال البلاد والعباد.
فقال للبائع: – أريدها بغلة سرُوجًا. لا هيّ عجفاءٌ طُغراءُ، ولا هيّ مُدعشرة بلغاءُ. ولا هيّ بالقصيرة الميلاءُ. ولا هي بالعاليّة الرّهجاءُ، ولا هيّ قُعطال فركاء. لا يُجفلها الجُعر، ولا تطأ الحُفر، كبغلة عُمر، إن أقللت علفها صبرت، وإن أكثرت لها شكرت. لا تدخل القصر بي خببًا. ولا تجد لرفسي سببًا، إذا خلا الطريق تدفقت وإذا كثر الزّحام ترفقت. على أن تكون حكيمة. فهيمة. خدّوج. مِعشار (من حسن المُعاشرة)، تسرّ من يراها. وتبهج ثناها. وتحجلُ خُطاها. في عينها البريق. وتحفظ الطّريق. إن أمست راقت. وإن أبلجت فاقت. وإن أغبشت حاقت. وإن سيقت، ساقت. وإن غفلت، ماقت. تُشرح القلب بطُغراها. وتلهم من يراها. و لا تشطّ كثيرًا أيّها البائع في غِلاها….
فقال له البائع، بعد تفكير عميق، وكان حكيمّا:
– إذا مَسَخَ الله الدكتورة (ألفة يُوسف) بغلة، بعتها لك…سيدي الرّيس السّعيد، الحاكم بأمرهِ…
3- (توضيح لابدّ منه، عمّا وعمّن أعني بالبغلة):
حين نشرت هذه الدّعابة عن بحث الحاكم الجديد السّعيد عن (بغلة)، وأقحمت فيها إسم الدّكتورة ألفة يُوسف، لم أكن أعبث ولا ألعب بالكلام في حواشي الكلام. بل أنّ ذلك، كان ينبع من عمق تقديري وإجلالي واحترامي لألفة يُوسف. فتجاوزا لحضور اسم (البغلة) الثانوي جدا كونه من صلب طبيعة البهارات المرحة في كتاباتي ونصوصي المارقة، التي تستوجب و تتطلّب ذلك. فالرّئيس السّعيد عرف بشغفه الشّديد بسيرة الصّحابيّ العادل عمر بن الخطّاب، ويردّد دائمًا قولته الشّهيرة: ” لو عثرت بغلة في طريق العراق لسألني الله عنها لم لم تصلح لها الطريق يا عمر ؟ “، فكان لابد وان يكون (الطّعم) في الحكاية، هوّ كلمة (البغلة). ظاهريّا….ومن ذا أو ذي تراها تحمّلت ثقل الأجلاف، في مُدوّنتنا الوعرة، أكثر من قوائم البغلة ؟؟!!
المهمّ أنّ التعليقات يومها تجاوزت الثلاثمائة تعليق بين مُدافع عن ألفة يُوسف ومُستنكرا وصفي لها (بالبغلة)، وبين معجب بما كتبتُ، وبقدرتي على تطويع العبارة. وهم كثر….
الوحيد الذي أرسل لي رسالة شكر، كانت الدكتورة ألفة يُوسف….لأنّها فهمت عمق ما كتبت وكشفت خبايا ما حاولت بمكر تغطيّته عبر طبقة نسيج العبارة. وهي أنّ الرّئيس السّعيد الغافل، يطلب المُستحيل. إنّه يطلب تونس نفسها. فكلّ صفات البغلة، هيّ صفات تونس. ولم أجد من يجسّد كلّ صفات تونس، أكثر من الدكتورة ألفة يُوسف.
4 – (ليس دفاعًا عن ألفة يُوسف، بل إنتصار للإسلام):
كِبارٌ في قيمة الدكتورة ألفة يوسف، لا يلعبون حِينَ يُبادرون بالخطوة الأولى والأصعب. فالحقيقيّون هم الذين يتحمّلون وزر ومشقّة وضنك وتبعات الخطوة الأولى. و كلّ جاهل ومُبرمج و بليد الذّهن يتصوّر أنّ شهادة المرأة في عقد القران لا تجوز بمفردها، وفق الشّريعة الإسلاميّة. (والمقصود بذلك هوّ المرأة التي لا تعيل نفسها وهي تابعة وقاصرة ماديّا، فلا كفالة لمن هوّ قاصر وفي كفالة غيره، وهذا بديهي) وهاهيّ د. ألفة يُوسف، وهي من هيّ، علمًا وتمكَن، تخطوا بدين والديكم خطوة للأمام، لتعيد أمجاده، وأنّه أرحب وأعظم وأعمق. وتصرّ أن تكون شاهدة إبنتها في عقد قرانها وأن تكون أمّ العريس، بدورها شاهدة لإبنها… (علما وأنّ الذي عقد القران إمرأة)…ضربة جزاء مُتأخّرة وأهمّ وأروع وأبقى وأثمن من هدف مباشر… أرفع لك القبّعة. لشجاعتك، ولفهمك العميق والواعي لمقاصد الشّريعة يا دكتورة ألفة يوسف. صفعة جديدة موجعة على قفا الحثالة النُّثالة وبعر القوافل والعنعنات المُفبركة والمدسوسة لنسف الإسلام من داخله، بشلّ حركته. واغلاق باب الإجتهاد فيه من داخله، ووفق مسطرة فلسفته ومقاصده ومعانيه.
5-(بديل الخاتمة):
منذ أطروحتها لنيل دكتوراه الدّولة، التي قدّمتها تحت عنوان (تعدّد المعنى في القرآن) من مدخل ألسني مع تقاطعاتها العميقة ومحاورتها واستنطاقها لمعاني الآيات ودلالاتها عند المفسرين والفقهاء والأصوليين. ومنذ كتابها (حيرة مسلمة)، والمادة الشخماء الخاملة في دماغ وجمجمة العقل العربي تتقبّل من الدكتورة ألفة يُوسف سلسلة من الصّفع الموجع على القفا… و كلّ كتاب جديد لها، هوّ بمثابة أربعين صفعة على سهوة، تربك هذا العقل الخامل الذي يتثاءب من كلّ فتحاته، وزاده تقوى الفُرس والعجم علّة على علّة… وفي الواقع، أنا يائس من صلاح حال هذه الأمّة الشّرجيّة، ولن تستفيق ولو ركلها عفريت، ولكن هل سيأتي بعدنا أجيال من سلالة الأحفاد، تعيد ترتيب العناوين والتواريخ وفق أصولها. وتُسمّي هذه العشريّة الأولى والثّانيّة والثّالثة من التدوين الإفتراضي، بعنوان موازٍ وببند خطّ عريض، يقرأ من بعيد هكذا:
(ألفة اليُوسفيّة وضمير الأمّة الشّرجيّة)….؟!!….
(كمال العيّادي الكينغ)
Discussion about this post