النخبة التونسية بين الأمس واليوم
(الحلقة الثالثة).
بقلم الأديب هاني الفرحاني
عظمت سمعة الخلدونية وذاع صيتها وسعى الطلبة إلى دروسها من تونسيين و جزائريين ومغربيين. وسرت بجامع الزيتونة حركة كبيرة تحت تأثير هذه النهضة الجديدة. وأدرك الجميع القصور البين في معارف الطلبة الزيتونيين. وصدع بذلك البشير صفر في منطق خطابي غاية في التأثير و الإقناع. كما كانت دروس الشيخ سالم بوحاجب رافدا كبيرا للسير في مسيرة الإصلاح و التغيير.
اغتنم مدير المعارف الذي كان فرنسيا الفرصة للدخول إلى جامع الزيتونة الذي كان معقلا حصينا على المستعمر المسيحي، فاقترح على الوزارة تشكيل لجنة لدراسة الوضع. و اجتمعت اللجنة التي كانت هي الأولى لإصلاح التعليم الزيتوني سنة 1898 تحت رئاسة الوزير الاكبر محمد العزيز بوعتور وكان اعضاؤها شيخ الإسلام ونظار التعليم بالجامع الأعظم وسبعة من مدرسيه على رأسهم الشيخ سالم بوحاجب إلى جانب الأستاذ البشير صفر. وانتهى الأمر إلى تغلب الجانب التونسي على الجانب الفرنسي. إذ تم الاقرار بفصل جامع الزيتونة نهائيا على مدير المعارف وربطه رأسا بالوزارة الكبرى. وتم بعد ذلك إصلاح البرامج وادماج المواد الضرورية وارساء نظام جديد للامتحانات.
واصطدمت هذه الاصلاحات بموقف شيوخ محترزين يسعون إلى المحافظة على السائد. إلا أن الشيخ سالم بوحاجب بمقامه العلمي و مكانته الاجتماعية كان شوكة في حلق كل منكر لحركة التطور الفكري.
وزادت حركة الإصلاح تجذرا بصدور مجلة ” المنار” بمصر للسيد محمد رشيد رضا في السنة نفسها والتي كانت تدعو بتوجيه من الشيخ محمد عبده إلى تأييد حركة إصلاح التعليم لأنها بوابة دعوة الإصلاح.
وبلغ السيل الربى سنة 1901 لما ظهر شاب زيتوني من مدينة تونس منحازا إلى الأستاذ البشير صفر والشيخ سالم بوحاجب وهو الشيخ عبد العزيز الثعالبي. كان قد أصدر جريدة أسماها ” سبيل الرشاد” ثم عطلها وسافر إلى الآستانة ومصر وعاد يتكلم بأفكار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي وحسن حسني الطويراني وعلي يوسف. فأعجب به الشباب لفصاحته ومقدرته على التحليل والاسترسال.
فما كان من الشيوخ الناقمين على حركة التغيير الا أن قدموا دعوة إلى النيابة العمومية وتمت دعوة الثعالبي إلى التحقيق. والتف من حولهم العامة من أتباعهم فكانوا يترصدونه في ذهابه وإيابه يهاجمونه بالسب والاذى. وحكم عليه بالسجن. إلا أن سجنه كان دافعا لتعزيز مسيرة التغيير والاصلاح.
Discussion about this post