دراسة نقدية للأديب أيمن دراوشة لخواطر (من وصاياها) للشاعر أشرف كمال.
الأديب أيمن دراوشة
من وصاياها …بقلم الشاعر أشرف كمال
قراءة نقدية ….للأديب أيمن دراوشة
في البداية خواطر (من وصاياها ) للأديب الدكتور أشرف كمال ، تحمل جمل مشبعة مشحونة بطاقة شعرية خلاقة
1- الروايات يا أشرف قصص حياة شفيفة أسرار عتيقة تخبؤها أيدينا بعناية بين رفوف القلب، ثم تودعها أوّل ضيف يدخل قلوبنا الصغيرة دون أن نتفطّن له. تشقّ حكاياتنا طريقها يا أشرف، فتعيد خلقنا من جديد على شاكلة أخرى كما لو أننا لم نكن من قبل. نحن كائنات حكّاءة يا أشرف خُلِقنا من كلمة ونحن في تجدّد الخلق وانتهائه هائمون. لا تُطِع صمتك كلّما داعبتك الذكريات، فصفحات الحياة غرف مشعّة بأنوار الحب المعتّق، تنتظر في كل مرة يدا تحرّك وهجها وتروّض عطشها وتخلق من شهوتها فيضاً من ماء حياة لا يطاله النسيان.
2- الأعياد يا أشرف ليست لحظة يسكبها الزمن في كأس عمرك في غفلة منك. الأعياد يا أشرف وشم قديم على جبين أمك، أنشاق حناء عتيقة كبرت أنت وهي لم تكبر. أغنيات فرح شجي يترنم بها قلبك الطفل كلما ظن أن الوقت يغلبه. الأعياد يا اشرف لحظة صفاء تكشف لك أنك لست واحدا، وإنك نسيج كلك… طفل شقي، وشيخ تقي، وشاب عنيد عتي، وكهل صبور حيي، وحكيم وداعية و فيلسوف ونبي.
د.أشرف كمال
هذا النص يمكن ضمه لفن الرسائل، أي لا يمكن عده خاطرة مثلا كون الخاطرة هي بوح الذات وحديث عن معاناتها، وغالبا ما تكون على لسان المتكلم أنا فهي إصغاء للحركة الدائبة للأجناس الأدبية الأخرى.
ولهذا فنحن نلاحظ أن الفضاء الشعري الذي تميز به الدكتور أشرف كمال قد طغى على النصين، فهما بمثابة خطاب شعري تداخلت به أجناس نثرية عرفناها منذ القدم.
ومن الملاحظ أن الكاتب قد حاول أن يجدد بهذا الفن الذي أشبهه بفن الموشحات ليس بالشكل أو المضمون وإنما باندثار هذين الفنين، اللذين ظهرا في أزهى عصور الأدب العربي بدخول أصناف أدبية جديدة كالومضة النثرية والشعرية، وكذلك القصة الومضة، والقصيرة جدا، والهايكو …
كما أن هذا الفن ظل خارج النقد العربي الحديث فترات طويلة، وما زال يراوح مكانه، وإن كان موجودا في البحوث والمؤلفات الأكاديمية، وإن وجدت بعض الدراسات التي اهتمت بفن الرسائل على اعتباره نتاجًا وتراثا نصيًّا فيما أهملت خصائصه الخطابية…
لنعد إلى النصين اللذين هما بمثابة خطاب المحبوبة إلى حبيبها، بخلاف ما عرفنا عن فن الرسائل حيث يكون الخطاب من الحبيب لحبيبته أو من الأب لابنه أو خطاب إمام المسجد لجمهور المصلين.
ومن الواضح طغيان الصبغة الإنشائية على الرسالتين وهذا شيء طبيعي ومعروف في هذا الفن ذي الصبغة الخطابية ، وكما نعلم فالخطاب هو إنشاء يعتمد على الحوار وإقناع الطرف الآخر بوجهة نظره.
“تشقّ حكاياتنا طريقها يا أشرف، فتعيد خلقنا من جديد على شاكلة أخرى كما لو أننا لم نكن من قبل.”
ويتضح لنا من خلال الرسالتين أنهما انعكاس للواقع، وقد نقلنا الكاتب من حيث الأسلوب من الاهتمام بالجملة إلى الاهتمام بالخطاب في الدرجة الأولى، ولم يكن الخطاب سوى منجز شفيف قد وجه للطرف الآخر ” المصغي ”
بنى الكاتب رسالتيه الأدبيتين على ملكة لغوية وثقافية وتمكن من أدواته، وهي بلاغة ثقافية معادلة للمخاطَب، وربما فهم القارئ مراد المتكلم في خطابه ، فالمتكلم في الرسالتين هو المخاطَب نفسه لكنه نقل رسائل الطرف الآخر أدبيًا بأسلوب واضح المرمى والهدف.
” نحن كائنات حكّاءة يا أشرف خُلِقنا من كلمة ونحن في تجدّد الخلق وانتهائه هائمون. لا تُطِع صمتك كلّما داعبتك الذكريات، فصفحات الحياة غرف مشعّة بأنوار الحب المعتّق، ”
لقد بدت لنا رسائل أشرف بعيدة كل البعد عن الصفة الوعظية الإرشادية، فالرسائل الأدبية تتعدد وتتشكل وتتنوع بطرقها وحسب موضوعها، فرسائل الواعظ مثلا وإن كانت أدبية، فهي تختلف في خصائصها عن الرسالة الأدبية الرومنسية ، وإن احتوى النوعان على المحسنات البديعية والصنعة اللفظية…
كما نلاحظ أيضا على رسائل أشرف العناية الفائقة باللغة، فبدت لنا واضحة تحوي الحكمة والإقناع ، والجمل البسيطة إضافة إلى الصورة التي أعدها من الوحدات الأساسية في صياغة الرسائل عند أشرف كمال، واعتمدت الصور على الإستعارة في سبيل توصيل الفكرة وتثبيت آثارها الشعورية في نفس القارئ، لننظر إلى هذه الصيغة الفنية الرائعة في رسالة ” الروايات” وتتابع الكنايات واسترسالها بكل احتراف:
” تنتظر في كل مرة يدا تحرّك وهجها وتروّض عطشها وتخلق من شهوتها فيضاً من ماء حياة لا يطاله النسيان. ”
يحس القارئ أثناء قراءته بالمباشرة والتقريرية لكن إعادة القراءة مرات تنبهنا إلى لفتات جمالية من جريان سريع للفظة وانسيابها بتدفق مجرى النهر بمياهه العذبة، وتشكيلاتها الموسيقية الرنانة، الروايات – الأعياد هي عناوين الرسالتين وفي كل لفظة منهما مد طويل، وقد أكثر المؤلف من هذه العلل الطويلة في نصيه مما زاد من وضوح الإيقاع بشدة لما تتميز به تلك العلل كاستغراقها وقتا عن القراءة كما أنها تحتل المراكز الأولى في الاستمرارية ودرجة الإسماع.
” قلوبنا – الذكريات – يسكبها – حناء – صفاء … ”
وفي هذا الإيقاع السريع الحافل بالشعر والموسيقى ومخطاب راقٍ، وبالتالي وسيلة تفاعل وأداة وصل تتسم بالحيوية، وتتلون بطابع الموقف الشعوري، وله قدرة الإيحاء والتجاوب مع روح النصين.
” أغنيات فرح شجي يترنم بها قلبك الطفل كلما ظن أن الوقت يغلبه. الأعياد يا اشرف لحظة صفاء “
Discussion about this post