إبداع حوارات حول الإبداع …
حسن إلهامى …
فن الحوار من اكثر اشكال الكتابة الأدبية صعوبة وأرهاق، سواء ما قبل الحوار؛ إعداد واستعداد، او خلال الحوار؛ ما يتطلبه من إنتباه ومرونة وجدارة ولياقة ثقافية ومعرفية ولغوية؛ ومعلوم ان الاعداد للحوار ؛ يحتاج الى ما يكاد ان يكون معايشة عن بعد، والاطلاع والاستيعاب والادراك والفهم لابعاد واغوار وإنتاج الشخصية محل الحوار ، وبقدر الامكان معرفة كل معطيات وصفات وسمات هذه الشخصية بذاتها وتميزها وثقافتها وفكرها ورؤيتها .
وكتاب “حوارات حول الابداع” من الكتابات العزيزة في المكتبة العربية إذ تمكن المحاور الكاتب والاديب الاستاذ محمود قنديل من الامساك بكافة خيوط التنوع الثقافي والمعرفي واللغوي والأدبي للشخصيات الخمسة عشر محل الحوار في لغة متميزة طبقا للبصمة الثقافية لكل شخصية حسبما التخصصات والاهتمامات ؛ والتي تنوعت ما بين النقد والرواية والقصة القصيرة والشعر والترجمة والفن التشكيلي .
والشخصيات محل الحوار هى : د. صلاح فضل، د. جابر عصفور، د. صلاح السروي، د. أحمد علي الهمداني، د. أماني الجندي، د. هبه عبدالعزيز، محمد إبراهيم أبو سنة، محمد حافظ رجب، جار النبي الحلو، عزالدين نجيب، محمود عوض عبدالعال، سلوى بكر، أمينة زيدان، مصطفى نصر، سمير المنزلاوي.
وقد تناولت الحوارات عناوين وموضوعات متباينة تراوحت ما بين ثقافية وادبية وسياسية وتعليمية ودينية، وجاء الكتاب متميزا بما يضمه من محاورات مع شخصيات متباينة ، من حيث النوع فقد تمثلت النساء باربع سيدات، ومن حيث المكان فان اغلب الشخصيات من خارج القاهرة، ومن حيث الاعمار فان اغلب الشخصيات من اهل الخبرات ، ومن حيث التماس المباشر مع الخارج؛ أقامة أو دراسة ؛ أسبانيا ، السويد ، امريكا، المجر، قبرص، روسيا، اليمن، اما من حيث التخصص ؛ شملت الحوارات : نقاد وكتاب شعر وقصة ورواية وادب طفل وتراث شعبى وفن تشكيلى .
ومن ابرز ماتناولته الحوارات : قضايا النقد – مستقبل الثقافة – اجتثاث التطرف الدينى – قصيدة النثر – التنوير – الموقف من المرأة – التعليم – الدستور – مستقبل الرواية والقصة ، لكن بدى في المجمل وفي تصورى ان هناك ثلاث مشاهد هامة من بين مشاهد اخرى كثيرة وهى : اولها ومضات افكار، وثانيا شلة المحلة ، وثالثا دور الصداقة.
اولا : ومضات افكار
وفى ومضات لبعض الشخصيات والاراء ما يلقى بالضوء على ثراء الافكار التى تناولتها الحوارات وننتقى؛ اراء السادة النقاد : الدكتور صلاح فضل والدكتور جابر عصفور والدكتور صلاح السروى ؛ وفيما يتعلق بالثقافة ذكر الدكتور فضل الامل في سيادة التفكير العلمى وتحسن جودة التعليم والتوازن ومحدودية الخطاب الدينى وازدهار الفنون، واشار الى ان الثقافة العربية وفى مصر ينقصها الكثير .
واكد الدكتور جابر عصفور الى ارتباك المشهد الثقافى انعكاسا للمرحلة التى نمر به ، وفيما يتعلق بثوابت الامة قال الدكتور صلاح السروى ان ثوابت اى امة ليست سبب في تخلفها ، لكن تقديس هذه الثوابت وادعاء صلاحيتها المطلقة لكل زمان ومكان بمثابة الكارثة بعينها ، وطالب د.عصفور بضرورة احياء المجلات النقدية والعمل على تنشأة جيل جديد من النقاد
وفى سياق آخر ذكر د.احمد الهمدانى ان مستقبل الثقافة العربية يبشر بالخير ، ونصح شباب المثقفين بالانكباب على التراث والتاريخ واتقان اللغة العربية وضرورة اتقان لغة اجنبية.
وذكر الدكتور السروى انه لاتوجد مدرسة نقدية عربية ولا نزال عالة علي الغرب في مجال التفكير النقدى نجتر منتجاته ونتناقلها ونلهث ورائها .
وحول التنوير قال الدكتور جابر عصفور ان القضية التى تواجه التنوير ومن ثم وجود دولة مدنية ديمقراطية هو الاصطدام بالاتجاهات الرجعية والمحافظة في المجتمع كما طالب بتعريف وتحديد معنى العلمانية، وحول مفهومه عن العلمانية ذكر : ” اعمل الدنياك … ”
وفيما يتعلق بتجديد الخطاب الدينى، اشار د.فضل الى انه ليس من المتصور ان من يقوم بتجديد الخطاب الدينى هم رجال الدين بل هذه مهمة الفلاسفة والمفكرون والمبدعون .
اما د.عصفور فيرى ان تجديد الخطاب الدينى هو مسئولية المجتمع جميعا لان الازهر لايستطيع وحده ان يقوم بهذا العمل، ويرى د.عصفور ضرورة اعمال العقل ولعل ذلك باتباع نهج الامام محمد عبده في كتابه الاسلام دين العلم والمدنية .
اما عن التطرف اشار د.فضل الى ان التطرف لم يستفحل الا في التسعينيات ولن يكون هناك مبدع حقيقى ممكن ان يكون متطرفا، الدكتور عصفور ذكر ان لديه روشتة لاجتثاث الفكر المتطرف خلال عشر سنوات
وفيما يتعلق بالمراة ، قال د.فضل ان المجتمع العربى مجتمع ذكورى وبنية بطركية والادب صورة تعكس الضمير المجتمعى .
ثانيا : شلة المحلة
شلة المحلة تشير الى ان مثقفى الاقاليم تحت ضغوط التجاهل قد ابتكروا اساليب للتواصل والظهور، وشلة المحلة مجموعة ثقافية أسسها الكاتب الكبير الراحل سعيد الكفراوي والتى ضمت كل من: “جابر عصفور، محمد المنسي قنديل، جار النبي الحلو، صنع الله إبراهيم، نصر حامد أبو زيد، محمد صالح، فريد أبو سعدة”.
وكوّن الكفراوي المجموعة في بداية الستينيات، كـ ناديًا أدبيًا، في قصر الثقافة المحلة، وكان في أغلب اللقاءات والندوات الثقافية، والحورات الصحفية والتلفزيونية، يتحدث عن دور تلك الشلة ومشوارهم الإبداعي، وكيف شكل أعضاء تلك “الشلة” أصحاب المواهب مستقبل الإبداع، وصاروا أعلامًا للثقافة العربية.
ثالثا : دور الاصدقاء
رأى الكاتب والاديب الاستاذ جار النبى الحلو ان وجوده بالمحلة لم يكن بعائق دون انتشاره، بل ان تواجده بالمحلة رحمه من قعدة القهاوى ، وارجع كثير من الفضل الى اصدقائه والى قنوات التواصل عبر البريد ومن هنا بدأ النشر من خلال الرسائل البريدية الى الاستاذ عبد الفتاح الجمل بجريدة المساء .
كما ان صداقته الطويلة الممتده مع الاستاذ محمد المنسى قنديل وما جمعهما من اهتمامات ادبية وفنية وموسيقية مشتركة كانت بمثابة تمهيد للانتاج الادبى لكلاهما ، بل ان بعض الانتاج الادبى قد اشار الى الصديق الاخر ، فضلا ان محمد المنسى قد اقترح على جار النبى كتابة ادب الاطفال … وايضا ان صديقاه المخرجان محمود ابراهيم و محمد حسن عبد الغنى قد اقترحا عليه كتابة مسلسلات للاطفال…
Discussion about this post