من تاريخنا وتراثنا الوطني
بقلم: أ.د. حسين علي الحاج حسن
“المحسوبيّة والاستزلام” في لبنان ليس جديدا، فالتّجربة الاجتماعيّة والسّياسيّة والحزبيّة خلال الثّلاثينيّات من القرن المنصرم، تبيّن كيف كانت السّياسة اللبنانيّة المعتمدة تُكرّس دور الزّعامات التّقليديّة وأحزاب الشّخصيات، فيما أخذت خلال الخمسينيّات منحاها السّيّاسي والعقائدي، مع اخفاقات شاسعة في التّربية الحزبيّة للمحازبين بسبب الامتناع عن النّقد السّياسيّ أو الاجتماعي الفاعل، ممّا أعطى للشخصيّة الحزبيّة هالة واسعة، فكانت خارج حدود النّقد . فيما كان الفرد بكلّ أسف، لا يعرف دوره وصلاحيّاته الاجتماعيّة والسّياسيّة جراء التّربية الفكريّة المنغلقة، فالتّباين كان واضحاً بين الشّعار السّياسي المطروح والممارسة العملية ذات البعد الطّائفي، في حين كانت المشكلة تزداد جرّاء فقدان الثّقة الاجتماعية بالسّلطة القائمة، حيث انعكس ذلك كلّه على الشّأن الاجتماعي، بسبب إهمال بناء الفكر الشّخصي وتفعيل الدّور الاجتماعي. فضلاً عن فقدان البرامج الحزبيّة المتعلّقة في البناء الوطني حيث وجد الفرد نفسه، أمام ازدواجيّة من المعايير في الولاء، فالمعيار الأول: دعا للإنتماء الوطني والمعيار الثّاني: كرّس الإنتماء الطّائفي عبر الزّعامة الشّخصية والطّائفية.
الطّائفة في لبنان ليست مشكلة بذاتها، إنّما المفاهيم الطّائفية بتزمّتها، حيث انعكس ذلك على اتّساع رقعة الفساد الوظائفي والاجتماعي، فانعكست “المحسوبيّة” بتأثيراتها السّلبية، على الكفاءة العلمية، حيث منعت الطّاقات العلميّة والفكريّة، من أخذ دورها الفاعل في البناء الاجتماعي والوطني، فكان من نتائجها الهجرة لخارج حدود الوطن بحثا عن الفرص الضّائعة في لبنان، فيما كان رديفها وجود المؤسّسات الاجتماعية والأهلية والجمعيات الّتي تدور في فلك بعض الجهّات الخارجيّة.
من المفارقات المأساويّة في التّاريخ الحديث، أنّ الواقع اللبناني حتّى تاريخه لم يتغيّر، جراء سياسة “الاستزلام” للزعامات الطّائفية والحزبية، حيث انعكس ذلك على بنية الدّولة والكيان السّياسي، بسبب فقدان الحقوق وعدم المساواة في الواجبات: إذ كيف تطلب الدولة الواجبات المتعدّدة من المواطن وتلزمه بها، في حين تتنكّر لأقل حقوقه، ومنها: حقّ المساواة في المواطنة والوظيفة والحياة الكريمة في تقديم الخدمات؟. وما هي البدائل المرتقبة للنظام الطّائفي الّذي يلحظ التّوازن الطّائفي؟، وإلى متى ذلك؟، ولماذا هنالك الكثير من الموانع أمام النّمو الديموغرافي والمناطقي؟ ومن المسؤول؟.
إنّ مشكلة “المحسوبيات” في لبنان، تكمن بوجود المحاصصة في الدّولة. فالنّاس تحتاج إلى الخدمات، والدّولة تحتاج إلى بناء المؤسّسات الضّامنة للمجتمع. إلا أنّ الاشكالية الّتي يعاني منها المجتمع اللبناني تكمن في توجّهات الخطاب الدّاخلي الّذي يبيّن عن الخلفية التّعصبية والعصبيّة، الَتي تؤدي في الكثير من الأحيان إلى إرباك المجتمع. وعليه لابدّ من إعادة النّظر في الجانب الانتمائي والوظائفي، من خلال وحدة المعايير القانونيّة الاجرائيّة. فلبنان فيه 18 طائفة، يحتاج إلى صيغة تتوافق مع العصر، وعليه كيف يسير هذا النّظام بالتّوازن الطَائفي حتّى تاريخه؟..
المضحك المبكي في لبنان، تأمين وظائف بعض المواليد لحظة ولادتهم، جراء الانتماء الطّائفي لهم ، وإهمال البعض الآخر للسبب نفسه.
إنّ دمار أيّ مجتمع من المجتمعات، يكون عبر تهديم القضاء والتَربية، لذا هل من المقبول اليوم البحث في عقد وطني جديد خارج حدود التَوازنات الطّائفية؟!
بقلم: أ.د. حسين علي الحاج حسن
Discussion about this post