الثورة الفكرية
بقلم/ ريم شطيح
إنّ أولى خطوات التمرّد والثّورة انطلاقتهما تكون من الذّات وعلى الذّات والبيئة والمجتمع والمنظومة الفكريّة، وإذا لم تكن الثّورة فكريّة لن تصل ولن تحقّق تغييراً اجتماعيا، اقتصادياً، سياسيّا، أو قانونيّاً. والثّورة الفكريّة تتعلّق بالتّفاصيل والمنظومة الثّقافيّة المجتمعيّة بما فيها من موروث ثقافي وأدبيّات وعقليّة التَنميط stereotyping الّتي تجمّد عملية التّطوير والتّقدم.
منذ زمن وأنا أرى وألاحظ تفاصيل كثيرة مهمّة لا بل جذريّة في العقليّة المجتمعيّة، ومنها أسعى لطرحها ونقاشها وعرض موقف منها سلباً أو إيجاباً.
إنّ دور الكاتب التّنويري لا يقتصر على قول لا لخطوط عريضة واضحة كبند في دستور أو لسلطة سياسيّة أو دينيّة؛ بل بالتّدقيق في تفاصيل تركيبة المجتمع والعمل على تنقية الشّوائب الّتي من شأنها التَفريق بين النّاس “رجل وامراة، مؤمن ولا ديني، منتسب لحزب أو لغيره، مشكلة الطّبقيّة والعنصريّة و و الخ.” والجرأة لا تكمن في طرح الرّأي المخالف فقط؛ بل في قدرة الكاتب على تقديم حجج منطقيّة يقوم عليها طرحُه ومعالجتُه وشرح عميق واستقراءات مفهومة، وأنْ يقدّم ما ربط هذا الرّأي بموضوع التّنوير والمساواة أو المواطنة مع تقديم حلول قابلة للدراسة.
نعم القصّة بالتّفاصيل، وهذا في كلَ القضايا الأخرى وكلّ المواضيع (القصّة تكمن بالتفاصيل).
في كلّ الأزمنة في مجتمعاتنا كان هناك متمرّدين سياسيين، إلاّ أن هذا لا يحلّ المشكلة ما لم تكن النّزعة نحو التمرّد مُنبثقة من نقد الواقع الاجتماعي والتمرّد عليه وتعرية التّفاصيل الكثيرة، لكن ما زال الخوف هو العامل الأكبر في عدم مقدرة الكثيرين على التّغيير المُجتَمعي، فالمشكلة ليست فقط بالقوانين، بل بسِنّ الثّمانين والتّسعين الّذين يحكمون الجيل الجديد. نحن وباختصار مجتمعات تحكمها أجدادها ولم تخرج بعد من عَباءتهم رغم كلّ التحرُّر الظّاهر فقط.
إنّ التغيير يبدأ على الصّعيد الشّخصي والعائلي والاجتماعي واتّخاذ قرارات تُحرّر الفرد من أيّ شكل من أشكال العبوديّة بالارتكاس للموروث الاجتماعي أو العادات والتّقاليد.
فالعادات والتّقاليد هي كأنّك تقول إنّ أشخاصاً من عدّة قرون يفوقونك علماً وفهماً ومعرفةً فكتبوا لك كيف يجب أن تكون حياتك وقراراتك وممارساتك اليومية. فهل تقبل/ي بهذا؟ ولماذا؟
لا يكفي أن تكون كاتباً متمرّداً في السَياسة أو ثائراً سياسيّاً وأنت لا تستطيع أن تثور على بعض الأفكار المُجتمعيّة وتبدأ التّغيير حتّى على صعيدك الشَخصي/الاجتماعي، قد كان حريٌ بك أن تفعل هذه قبل تلك.
ريم شطيح …. سورية
Discussion about this post