فضفضة ليلية لموظف في مستشفى كرى العام
الكاتب: محمد نبراس العميسي
منذ التحاقي بقطار الوظيفة هنا في مستشفى كرى العام باليمن، دأبت على كتابة اليوميات. حين أعود إلى السكن الجماعي، أبدأ في الانتظار حتى منتصف الليل. وفي المنتصف، آخذ القلم والورقة وأجلس للكتابة؛ أبدأ بكتابة اليومية من لحظة الاستيقاظ والأحداث والتفاصيل التي عشتها في الدوام. أكتب عن الزملاء الذين قابلوني، الذين ابتسموا لي، والآخرين الذين عبسوا. أكتب كل شيء، حتى استقبال البصمة الحار: “شكراً.. بصمة ناجحة”. وبالمناسبة، تكيفت على صوت البصمة واعتدت عليه؛ لأن كلامها معسول: “شكراً لك. بصمة ناجحة.” أجمل من صوت المنبه الذي يوقظني من نوم ثقيل فأصحو على فزع. البصمة أحبها، فيما المنبه أكرهه؛ لكن أحيانًا لا خيار أمامنا سوى التصالح مع الأشياء التي تزعجنا والتكيف معها، من أجل أن ندفع عجلة الحياة إلى الأمام، ومن أجل أن نجعل الواقع قابلاً للعيش الإنساني.
الآن، تذكرت طعم الكيك الذي تم توزيعه في الإدارة. في الحقيقة، كان ذهني مشتتًا حينما أخذت الكيكة من فوق الصحن الذي يطوف في المكان وبلعتها إلى جوفي. أكلتها بلذة، لكن بذهن غائب، بلا وعي. ومردّ الشتات الذي أصابني كان تفكيري المبالغ في السماعة الحائطية غالية الثمن التي دفعت فيها أربعين دولارًا وغشني صاحبها. كنت أفكر كيف أفاوضه، كيف أتذاكى عليه من أجل أن يرد المبلغ الثمين المدفوع الذي اقتطعته من المبلغ الذي أجمعه كقيمة مهر للسيدة…
وأنا أنهي اليومية، تسرب إليّ مذاق الحلوى. الآن، شعرت بعد مضي النهار بطوله وبعد أن انتصف الليل. دعك من شعور الفرحة الجماعية التي تنفستها في الدوام ومشاهدة الزملاء يوزعون الملّيّم للعابرين. هل هذه الفرحة بالشموخ والعودة؟ أم بعودة المدير إلى رأس عمله قام بمضاعفتها؟ طبعًا الشغف القومي لا يمكن تبريره، ولا يمكن كتابته. غير أن تفاصيل اليوم مبهجة، على الأقل في صعيدي الشخصي. دوام نصف نهار، ركبت على متن الحافلة الجماعية التي تقل الموظفين إلى المجمع. في المجمع، استقبلني صاحب الإلكترونيات بترحاب وحفاوة، أخذت السماعة واسترددت النقود بكل بساطة دونما تعقيد. كتبت مقالتين ويوميّة واحدة، وهذا الكلام الذي تقرأونه الآن. هذه التفاصيل ما زالت قادرة على جعلي أبتسم.
Discussion about this post