تأليف/ أيمن دراوشة
في الزّمان الّذي كان يرافقه الهدوء المتقطّع، دخلت هي الغرفة الصّغيرة ببطءٍ، وكأنَّها قد نسيت ما كان يفصلها عن هذا المكان. نظرت إلى الجدار الّذي شهد فصول حياتها العتيقة، تلك الّتي عاشت خلالها كلَّ تفاصيل الفقد والتّراكمات. كانت الغرفة مهجورة، والأثاث لا يزال في مكانه كما تركته قبل سنواتٍ مضت، إلّا أنَّه الآن يبدو كأطيافٍ قد تلاشت، كانت الأشياء هنا قد انكسر فيها الزّمن.
شعرٌ أسود حالك ينسدل على كتفيها، لكنّ وجهها ظلّ مُخفيّ خلف شظايا الذّاكرة الَتي كانت تندفع داخل رأسها. قدماها عاريتان تقريبًا من آثار الحياة؛ يداها خاليتان من أيّ شيءٍ ما عدا بقايا ألمٍ قديم. توقّفت عند النّافذة، ورفعت يديها لتلمس الزّجاج. أكان الزّجاج قد تراكم عليه الغبار؟ أم أنَّها هي الّتي تراكمت عليها البقايا؟ تذكّرت وهي تعصر قلبها أنَّ في هذا الزّجاج كانت تراقب أيامها وهي تمرّ بجانبها كأنَّها سيل من الذّكريات المبعثرة.
لحظة من الزّمن، وقفت هناك، نصف مُنحنية، تتأمَل العالم الّذي لم تعد تراه. كان الظّلام قد بدأ يزحف إلى الغرفة، وأشعّة القمر قد بدأت تنساب من بين الثّنايا الضّيّقة للنافذة، مسلّطة ضوءًا خافتًا على وجهها. وها هي الآن، كلّ شيءٍ تحوّل إلى مجرّد علامات على جدار حياتها. حركة عينها الوحيدة كانت هي الّتي تواصل الحوار مع ما كان، فقط لا شيء آخر.
تذكّرت كيف كانت تتوهّج الأيام في الماضي، عندما كانت مليئة بالحياة والحركة. ولكن الآن؟ الآن صارت الكلمات تصبح طيًّا بطيئًا في قلبها، حروفًا غادرت ولم تعد تشعر بها. قالت بصوتٍ ضعيف، يكاد يهمس: “أين ضاع ظلّي؟” لكنّ الّسؤال لم يكن لها، بل كان للحظات الحياة الّتي ظنّت أنّها ستبقى للأبد.
تراجعت ببطء، كما لو أنَّها عادت إلى ذات المكان الّذي فاتها. هي لا تنتظر أن تأتي أيّ يد لتمدّ لها؛ فذلك الزّمن قد انتهى. الوقت، كما كان، لن يعود أبدًا>
النّهاية
Discussion about this post