يا موتنا كيف تَجْرِي كَالسَّيُولِ فِي عروقنا
وَتَتَشَابَكُ الآلامُ مَعَ طيفِ الذِّكْرَى،
فِي دُروبِ الشوقِ عَبَرْت بَيْنَ الأشلاء
تَسْقِي الفُرسانَ حَزَنَ الأَحْدَاثِ وَالأَخْبَارِ.
عَرَبٌ، غُرْبَاءُ في زمنٍ قد غَدَا
تُحَدِّثُ الأرْضُ عَنْهُمَا حِكَايَاتِ الأَشْجَارِ
أين المماليكُ، يا سَرايا الشّجعانِ؟
أينَ ذاكَ العَزُّ في عينيكِ، يا نَخْلَةَ الأَحْرَارِ؟
كَمْ مِنْ خَلِيلٍ رَسَمَ النَّصْرَ بِعِزِّه
وَفُرْسَانٌ شَهِدُوا القَتْلَى في وادي الغَيرَان
وَبَيْنَ الْوَشْوَشَاتِ تُسْمَعُ أنّاتُ الفراقِ
فِي كُلِّ صَرْخَاتِ اللَيْلِ وَعُواءِ الذّئابِ
لَكِنَّ فِي جُنْحِ اللَيْلِ يَبْرُزُ الضَّبَابُ
مُخَالبُ الغَدْرِ تَنْقَضُّ بَيْنَ الشُّجْعَانِ
وَهَارُونُ رَضِيَانُ وَالْكِتَابُ فِي يَدِهِ
كَلِمَاتٌ تَخُطُّ نِبْرَاسًا لِفِكْرٍ وَعَصْيَانِ
وَالشَّيَاطِينُ، بَيْنَ الْحُلمِ وَالسِّرِّ
تَغْتَالُ الْأَبْطَالَ، تَغْمِدُ فِي الْقُلُوبِ الجُروحَ
كَمْ مِنْ صَفَحَاتٍ أُحْرِقَتْ بِزَخَارٍف
تَارِيخٌ مُحَوَّرٌ، يُحْكَى بِخَطٍّ جَبَانِ.
أَيُعَوِّضُ الْحَرْفُ مَا ضَاعَ مِنْ أَمَانَةٍ؟
وَأَيُّ خِيَانَةٍ تُعِيدُ حُرُوفَ الفِكْرِ إِلَى الجَانِي؟
يَكْثُرُ الْقَوْلُ فِي الْحَرْبِ لَا فِي الْمَصابِ،
فَالْحَرْبُ تُظْهِرُ مَعَادنَ النُّفُوسِ.
كَالسُّيُوفِ الْبتَّار (ةِ) تَلْمَعُ فِي الْآفَاقِ،
فَتَمْسَحُ عَنْ الْوُجُوهِ غُبَارَ الْعَارِ،
لتنحت المجد عَلَى وَجْهِ الزَّمَانِ.
الدكتورة آمال بو حرب
تونس
……… ..
رؤية نقدية أدبية لنص “صدى المعاناة” للدكتورة آمال بو حرب من تونس
بقلم الشاعر خالد الباشق.. العراق
1. المقدمة العامة للنّصّ: نصّ “صدى المعاناة” قصيدة ذات نفس قومي تنطلق من تجربة شعورية متجذّرة في الوجدان العربي، حيث تتداخل الأبعاد التّاريخيّة والإنسانيّة لعرض معاناة الأمّة، وخصوصاً في ظلّ التّحدّيات الّتي تواجهها. القصيدة تنتمي إلى الشّعر الحرّ، وقد استعملت الرّمزية والتّناص لتوصيل رسالتها القويّة.
2. الموضوع والفكرة العامّة: النّصّ يعالج قضيّة الأمّة العربيّة عبر محاور ثلاثة: المعاناة من الماضي، خيانة الحاضر، وأمل المقاومة والنّهضة. الشّاعرة تربط بين التّاريخ والواقع، مشيرة إلى السّقوط المتكرّر للأبطال، وتشويه التّاريخ، وخيانة الأمانة، مع إشارات واضحة إلى ضرورة إحياء العزيمة.
3. البنية الفنية:
اللغة والأسلوب: استخدمت الشّاعرة لغّة راقية تجمع بين البساطة والعمق، مما يسمح للقارئ العادي بالتّواصل مع النّص دون فقدان عمقه الشّعري. الكلمات مثل “السّيوف البتّار”، و”مخالب الغدر”، و”صدى المعاناة” تنقل صوراً حيّة وقويّة.
هناك توظيف جيّد للجمل الإنشائيّة (مثل: “أين المماليك؟”) ممّا يضيف للنص تساؤلات وجوديّة تثير التّفكير.
الإيقاع الموسيقي:
رغم أنّ النّصّ يبتعد عن الأوزان التّقليديّة، إلّا أنّه يحتفظ بجمال الإيقاع الدّاخلي من خلال التّكرار، والتّوازن بين الألفاظ، واللعب بالمقاطع الصّوتيّة.
4. الصّور البلاغيّة والرّمزية:
النّصّ يعجّ بالصّور البلاغيّة، مثل “مخالب الغدر”، و”تحدث الأرض حكايات الأشجار”، و”السّيوف البتّار تلمع في الآفاق”.
الرّمزيّة بارزة في النّصّ، حيث تمثّل النّخلة رمزاً للعزّة العربيّة، والشّياطين رمزاً للخيانة والغدر، والليل رمزاً للمآسي والكآبة.
5. الرّسالة والقضيّة: الشّاعرة تسعى لإحياء الشّعور بالمسؤوليّة لدى العرب، وتذكّرهم بماضيهم المشرق، وتحفّزهم لمواجهة الغدر والخيانة الّتي شوّهت حاضرهم. هناك دعوة صريحة للتفكير وإعادة قراءة التّاريخ بشجاعة.
6. النّقد والتّحليل:
الإيجابيات:
النّصّ متماسك من حيث الأفكار والصّور، ممّا يجعل الرّسالة واضحة وقويّة.
استخدام التّناص مع الموروث العربي والإسلامي (مثل هارون والكتاب) يعمّق النّصّ ويمدّه بأبعاد تاريخيّة وفكريّة.
الصّور الشّعريّة عميقة وحافلة بالرّمزية، ممّا يجعل النّصّ قابلًا للتأويل على مستويات متعدّدة.
المآخذ:
النّصّ يجنح أحياناً إلى المباشرة، خصوصاً في بعض الأسئلة الّتي كان يمكن أن تُعرض بشكل أكثر إيحاءً.
هناك تكرار لبعض الصّور والمعاني، مثل “الخيانة والغدر”، ممّا قد يضعف تأثير النّصّ في بعض المواضع.
القصيدة تحمل طابعًا خطابيًاّ في بعض المقاطع، ممّا قد يحدّ من تأثيرها العاطفي.
7. الخاتمة: “صدى المعاناة” نصّ يحمل هموم الأمّة العربيّة بقلم مبدع وواعٍ. استطاعت الشّاعرة أن توظف تجربتها الشّخصيّة والقوميّة لتكتب قصيدة تجمع بين الأصالة والحداثة. ومع أنّ النّصّ يحتاج إلى بعض التّحرير في جوانب معينة، إلّا أنّه يبقى عملاً أدبيّاً متميّزاً وذا قيمة فكريّة وجماليّة.
Discussion about this post