طالما حلمت أنا
بقلم/ عبد الرحمن مقلد
ابن الحقول المتّسعة
والنّهر وروث البقرات الحاملة
وابن “الحَنُّون” المنتفخ بالسّكر
أن يكون لي رفقة من الزّرازير
وحُقٌ من الفازلين
ومحفة
وأغنيات دارجة
تنساب من راديو “ترانيستر”
ودرّاجة هوائيّة
ومحبوبة عابرة أقول لها
”يا أنت الّتي كنت سأحبّها”(•)
أنا الّذي طالما طاردتني النّحلات
وصعدت شجرة التّين لآخر فرع
وتسابقت مع الجحش
حتّى طالت قدماي
أنا صائد الدّبابير الماهر
كيف بي أبكي الآن
لأن القطارات فاتتني مرارًا
وتركوني في هذه اليابسة “الناشفة”
أشعر بالمُرِّ يملأ فمي
الّذي ياما رضع مباشرة من بقرة الجّد
كيف لي أن أبكي الآن
بعد أن سخروا من نظّارتي
ذات العدسة الواحدة المكسورة
أنا رجل التّصحيح المثقل بالأخطاء
كم هذّبتُ حال النّخل
وأسقطتُ الثّمار الفاسدة
جدير بي الآن أن أصعد الدّرج حتّى نهايته
وأترك هناك أشيائي الحميمة
وذاكرتي المثقلة بالمحبّة
ثم أسقط عليكم فجًّا
أصبّ اللعنات
وأفتح فمي كماسورة صرف ممتلئة بالسّباب
ولا أغلقه أبدًا
أخلع ثيابي الواحد تلو الآخر
وأصفع رئيس الحرس
وأقاتل وحدي جيش البودي جردات
حتّى أنزف وأتداعى
ثم أقول بكلّ ثقة وبكلّ فجاجة:
”أنتم أبناء….
من أتى بكم هنا
كنّا قومًا هادئين
في إحدي المرّات
جرّبنا أن نكتب القصائد
شربنا خمرنا
وملأنا الهواء باللون الأزرق
حتّى تهيّأت الطّيور..
زرعنا تلّة الوادي ذُرَةّ
وأقمنا محرقة هائلة
وأنضجنا القناديل
كثيرًا ما نفد الكيروسين
والماء
وجفّ البحر
وتوقّفت مواتيرنا
لكن ثمة قطعة خبز أخيرة تبقى
سيقضمها الصّبية
بينما نتلاقى
نحن على التّراب
نتلاقى ـ يا ثقيل الدّم ـ
الّذي زرعت الخلاف في الأسِّرة
والشّوك في الأفواه..
إذن ماذا تظنّونني
فاعلاً بكم أيّها الأوغاد
الّذين تراقبونني الآن
وأنا أصبُّ هذه اللعنات
علي أوراقكم البيضاء
لأحميها من ترهاتكم
ماذا تحسبونني فاعلاً
وأنا أخبط كالمجنون علي الدّرج
وعيوني حمراء
ماذا تظنّونني ..
بعدما أتلفت سيفي الخشبيّ
في مبارزة طفوليّة
واخترت أن أجفل عائدًا للتيه
حاملاً أشرطة الكاسيت
والضّفادع التي أطلقتها ذات مرّة
تركت الدّنيا
وفرحت لأنّ صبيًّا
تخلّص أخيرًا من الآلام الّتي يزرعونها
في جسده كلّ مساء ..
غادرت البراح
إلي الحلبة الضّيّقة
وقابلت الأوغاد وجهًا لوجه
دون سيف خشبيّ
فلم يعد لي غير أن أعاقبهم
وأنا مصحّح اللغة العتيق
بأن أرفع أجسادهم علي أنشوطة الضّحك
أضعهم في متحف المومياوات
وأجرّدهم من الفضائل..
وأخبر الجميع أنّهم المقصودون
بكل ما سبق من السّباب ..
وأعود لأحمل عراجيني ومقشاتي الأليفة
وأعمل في حقولهم الفضائيّة.
عبد الرحمن مقلد
Discussion about this post