فازت بالمركز الثالث “مانشيت قديم”
صباح كأخر يأتي مع شمسه ككلّ يوم ولا جديد ، يشبه كلّ شيء يراه ويحيط به عمله المستمرّ منذ عشرين عاماً كعامل نظافة في محطّة القطار ،الوقت لعبة الزّمن الأزليّة منوال لاتبديل له إلا بأمر المدبّر لهذا الكون، يحادث نفسه وهو يرى أنفاس ذلك القِدر الصّغير المتهالك كأيّامه تماماٌ متحدّثاً كم نحن متشابهان! ترتسم تلك الإبتسامة السّاخرة على وجهه المكتظّ بتعابير الزّمن الّذي يلاحقه بدأب وكأنّه الرّفيق الوحيد الّذي يأبي أن يفارقه، يصبُّ الماءَ في كوبه الّذي سبق ووضع به ملعقة الشّاي ليبدأ طقوس يومه الّذي بات يحفظ معالمه عن ظهر قلب، تدقّ السّادسة صباحاً يفرغ من كوبه السّاخن الّذي كان يتشبّث به بكلتا يديه ليتدفّق قليل من الدّفء ليديه الواهنتين، يذهب ليبدّل ملابسه ويرتدي لأخر يوم زيّه المألوف بشعور غريب لا يعرف هل هو الفرح لبدأ مرحلة جديدة من حياته سيتفرّغ فيها للقاء أحفاده وولده الوحيد أم شعور بالحزن لمرور الزّمن من بين يديه وهو لا يعلم كيف ومتى؟ مرّت هذه السّنوات حتّى وصلت به إلى نهاية المطاف ،يحمل دلوه ومكنسته ويبدأ في تنظيف رصيف القطار وهو مستمرّ في حديثه مع نفسه يتجمّع المسافرون وتبدأ المحطّة بالازدحام أصوات تودّع أحبابًا ولقاء بعد طول فراق هذه لعبة الحياة نتلاقى كي نفترق فلا شيء يدوم،وترتسم تلك الابتسامة السّاخرة على وجهه مرّة أخرى ومن ثمّ يتوقف فجأة وهو يتحدّث اليوم ! نعم الموعد اليوم! ينادي رئيسه في العمل بصوت مرتفع
“ياريس مصطفى ” ماهو تاريخ اليوم أجابه اليوم هو العاشر من الشّهر ، رد ّعليه اليوم يسافر ولدي وأسرته للسكن في القاهرة فقد حصل ولدي على وظيفة جديدة ينظر له رئيسه في العمل طويلاً ومن ثمّ يحدّثه تعال يا ” عم حسين ” هذا هو العامل الجديد خذه في جولة واطلعه كيف تسير الأمور هنا، أجابه ” حصل ياريس مصطفى” يسير معه ويخبره كيف يسير العمل ومكان راحته على مدار فترة عمله اليوميّة ويسلّم له عهدة العمل والدّلو والمكنسة، يحاول أن ينقل له خبرة السّنين في دقائق قليلة يخبره كم هو سعيد اليوم حيث سيلتقي ولده وأحفاده هنا في المحطّة ليودّعهم وأخبره بقصة سفرهم للقاهرة، وهو يلملم مايخصّه من أشياء في مكان راحته المعتادة الّذي يستعدّ لتسليمه للعامل الجديد، طلب منه أن يساعده في تجميع ما يخصّه من أشياء بينما يذهب هو لتبديل ملابسه استعداداً للقاء المنتظر، فرحّب العامل بذلك، أخذ عم ” حسين ” يستعدّ والعامل الجديد يتابعه بنظرات فرحة حتّى وقف عند الرّصيف أمام القطار ينتظر وإذا بملامح وجه العامل تتبدّل ويشحب لونه وهو يتابع بشغف ،عم حسين الّذي يضحك ويتحدّث بفرح اعتني بنفسك بنيّ وبأحفادي سأشتاق لكم كثيرا ولكنّني سوف أتي لزيارتكم في السّكن الجديد وبدأ في توديعهم وهو يحتضن الجميع يتابع العامل الجديد المشهد بذهول يراه يتحدّث مع نفسه ويحتضن ذراعيه بقوة وكأنّه يحتضن شخصا ما
يلوّح بيده في الهواء ولكن ليس لأحد ! يتعجّب العامل ويهتز ّقليلا وهو يجمع أشياء “عم حسين” حتّى وقعت عينه على ورقة لصحيفة قديمة بتاريخ العاشر من شهر أكتوبر منذ خمسة عشر عاما
كتب في أعلاها حادث مأساوي تصادم قطارين اسفر عن موت جميع الرّكاب .يربّت على كتفه فجأة “الريس مصطفي” قائلا في نفس اليوم من هذا الشّهر من كلّ عام وهو يفعل نفس الشّيء وكأنّه يرفض التّسليم بأنّ ولده الوحيد وأحفاده قد ماتوا في تلك الحادثة .
داليا السبع
جمهورية مصر العربية
Discussion about this post