حكمة الله في التعايش الأسري ج1
العلاقة الزوجية هي مزيج من الأرواح والطبائع، تتداخل فيها المشاعر وتتشابك فيها الطباع، وقد يجمع بين الزوجين اختلاف في المزاج والسلوك يجعل الحياة بينهما ميدانًا للتجاذب أحيانًا، وللتنافر أحيانًا أخرى. من بين هذه الطباع المتباينة، نجد حالة يكون فيها أحد الزوجين محبًا للنقاش والجدل والمشاحنة، في حين يكون الآخر ميالًا للهدوء والسلام، لا يحب الصراع ولا يستسيغ الجدال. في هذه الحالة، تنشأ معاناة ذهنية ونفسية لكلا الطرفين، حيث يتحول الاختلاف في الطباع إلى صراع داخلي يرهق الذهن ويثقل القلب.
الزوج الذي يهوى النقير يرى أن النقاش الحاد وسيلة للتعبير عن ذاته، وربما يظن أن إصراره على الجدال هو نوع من المطالبة بحقه أو توكيد لذاته، أو أنه يحاول دفع الطرف الآخر لتغيير أمر لا يرضيه. في المقابل، يرى الطرف المسالم أن الحياة أقصر من أن تُهدر في المشاحنات، فيلوذ بالصمت أو يتجاهل الجدال حفاظًا على راحته وسلام بيته، لكنه في أعماقه يشعر بشيء من القهر أو الضيق حين يجد نفسه دائمًا مضطرًا للسكوت مقابل موجة من الانتقادات أو الاعتراضات التي لا تنتهي. هذا الصمت، وإن بدا حكيمًا في ظاهره، قد يتحول مع الوقت إلى تراكمات داخلية تخلق في نفسه ألمًا ذهنيًا أكبر مما قد يسببه الجدل نفسه.
من جهة أخرى، الطرف الذي يحب النقير لا يشعر بالارتياح حين لا يجد ردودًا على تساؤلاته واعتراضاته، فيزداد انفعاله مع إحساسه بأن شريكه لا يُبالي أو يتجاهل الأمر. أما الطرف المسالم، فكلما حاول الابتعاد عن الخلافات، وجد نفسه محاصرًا بكلمات أو مواقف تزيد من استنزاف طاقته النفسية. وهنا يظهر ما يمكن تسميته بـ”المغص الذهني”، وهو ذلك الضغط العقلي المستمر الناتج عن هذا التوتر غير المحسوس ظاهرًا، لكنه حاضر في كل تفاصيل الحياة اليومية.
تكمن المشكلة الحقيقية في غياب التوازن بين الطرفين. فالجدل المستمر ينهك الروح، والصمت الدائم يطفئ شعلة الحوار التي لا بد منها في أي علاقة ناجحة. إذا بالغ أحدهما في إثارة النقاشات لمجرد الجدل، أو بالغ الآخر في الهروب من المواجهة، تحولت العلاقة إلى معركة صامتة يخسر فيها الطرفان معًا. المطلوب هنا ليس أن يتخلى النقير عن طبيعته تمامًا، ولا أن يُرغم المسالم نفسه على الدخول في صراعات لا تليق به، بل المطلوب هو أن يفهم كل طرف دوافع الآخر وأن يسعيا معًا لإيجاد نقطة وسطى تضمن التواصل دون إلحاح أو تهرب.
من الحلول الممكنة أن يتفق الطرفان على توقيت ومكان مناسبين لمناقشة الأمور الحساسة، بعيدًا عن لحظات الغضب أو التعب. ينبغي على الطرف الذي يحب النقير أن يدرك أن ليس كل الأمور تحتاج إلى معركة كلامية، وأن الحوار البنّاء يبدأ بالهدوء لا بالصوت المرتفع. أما الطرف المسالم، فعليه أن يعلم أن الهروب الدائم من المواجهة ليس حلًا دائمًا، بل يجب أن يعبر عن رأيه بهدوء دون انفعال، حتى يشعر الطرف الآخر بأنه مسموع ومقدر.
الحياة الزوجية في جوهرها شراكة قائمة على التفاهم والاحترام المتبادل، لا على فرض الرأي ولا على التنازل المستمر من طرف واحد. إذا استطاع كل زوج أن يضع نفسه مكان شريكه للحظات، لرأى الأمور من منظور مختلف. فربما يكون النقير في حاجة إلى الطمأنينة أكثر من الحاجة إلى الجدال، وربما يكون المسالم بحاجة إلى أن يشعر بأن صمته لا يعني استسلامه بل حرصه على العلاقة. في النهاية، ليس المطلوب أن يتغير كل طرف كليًا، بل أن يتعلم كيف يتكيف مع طباع شريكه دون أن يفقد ذاته أو يرهق عقله. فالحياة أقصر من أن تُستهلك في نزاعات لا طائل منها، وأثمن من أن تضيع بين صمت مؤلم وكلام جارح.
للاإيمان الشباني
استشارية
Discussion about this post