العسكريُّ الساكنُ في حديقةِ بيتنا..
العسكريّ الجميلُ كهبوبِ أيلول،
والطّويلُ .. كزيارةٍ مفاجئة..
في الليلِ كان يستندُ إلى بندقيّتهِ
ويمحو رسائلَ أهلهِ بالدّموع..
ويحدثُ أحياناً أن ينسى الفرقَ ما بيننا
فيشربُ الشّاي،
ويحدّثني عن عاداتِ أمّته
وأسمائهم الّتي ترِّنُّ في البالِ كالصّبَّار..
هو عاشقٌ مثل كلِّ فتيان حيِّنا،
ولكنّه يكبرهم بعشرين طلقة..
مرّةً لم تتذكّرِ الفصيلةُ طعامَه،
فسالَ الخجلُ من لحيتهِ وهو يقتربُ من تنّورِ أحلامنا..
ومرّة ً
شَكَلتُ غصنَ زيتونٍ بخوذته
فانتفضَ جرسٌ صغيرٌ في قلبه،
وألَّفَ أغنية..
…………………………….
العسكريّ المرابضُ على حدودِ حديقتنا
في أوقاتِ فراغه
يفركُ كفيّهِ بالورد
ثم يتنهّد فجأة:
-عذبةٌ هي الحياةُ…كأغنياتِ الرّيف،
لكنّ عمري أقصرُ من عَسلٍ يزنِّر خصر البلاد..-
وفي الليل
يُلمِّع حربته،
ويغرزها في السّياجِ الفاصلِ بين موته وموتنا..
………………….
سألته : متى ستنتهي الحرب ؟؟
فأجابني : متى ستنتهي الحرب ؟؟
وأغلقَ درفةَ الليلِ على حلمه …
……………………
هو من طينٍ مثلنا..
ويعشقُ رائحةَ البنِّ والغناء،
يدخن بتلذّذٍ سيجارته.. ويدعسها بغيظ..
ثم يحدّقُ بالعصافير الّتي تطير إلى قريته البعيدة..
ويلوِّحُ لها..
ولا أحد ينصتُ إليه في الليل
وهو ينتحبُ تحت بطّانيته،
ويُعرّي شياطينَه واحداً واحداً..
……………………..
لا تعنيه الإشاعاتُ الّتي يطلقها الرّعاة،
لكنّه يلعبُ مع الأطفالِ كرة القدم..
وحين زادوا مرتّبه
اشترى لأولادِ الحيّ تفّاحاً،
ولقلبهِ عوسجة..
…………………………..
قالوا له : في بيتنا مسدّس،
لكنّه تفاجأ حين وجدَ طفلتين ، ورفَّ حمام..
………………..
مرّةً أحبَّ بنتاً من حارتنا
ولأن قواعدَ الحرب تمنعُ الزّواجَ بين القاتلِ والقتيل
اتّكأ على سبطانةِ روحه..
وكَشَّ الأحلام..
……………………
العسكريُّ السّاكنُ في حديقةِ بيتنا..
السّاكنُ .. كأغنيةٍ ميتة
شاهدته يُمشِّطُ بنتَ جارتنا، ويبكي :
قد أقتلكِ إذا أُمِرتُ.. فلا تؤاخذيني!!..
…….
انور عمران
من مجموعة:
أسند ظهري إلى الرّياح
Discussion about this post