د.بوخالفةكريم باحث في علم الاجتماع_الجزائر
اسباب اهتمام الاعلام بالتنمية البشرية واهماله للخطاب السوسيولوجي.
يبدو لي أن قنوات الإعلام والميديا ليس من صالحها أن تقدم التحاليل والتفاسير السوسيولوجية! فعلم الإجتماع هو علم نقدي بامتياز علم نقد الحياة الاجتماعية وهو ذلك العلم المزعج و العلم الوحيد الذي يعري الواقع ويكشف تناقضاته.ويكشف الخبايا واللعبة الاعلامية والسياسية. إن علماء الاجتماع مزعجون ومشاغبون لأنهم يفسدون على الناس حفلاتهم التنكرية كما بين ذلك بيار بورديو فعلم الاجتماع يكشف عن كواليس الهيمنة وبالتحديد هيمنة الفئات ذات السلطة والنفوذ على الفئات الدنيا من المجتمع وبذلك فهو علم فاضح للاعلام ومحتواه ومنه فهو غير مرحب به اعلاميا
أما وسائل الإعلام بإعتبارها السلطة الرابعة فهي وسائط تتلاعب بعقول الناس وتعكس إيديولوجيا الطبقات المسيطرةحيث يرى بورديو،في كتابه”التلفزيون واليات التلاعب بالعقول، ان هدف الاعلام هو جذب انتباه الناس إلى أحداث متفرقة قد تهم الجميع، مثل حياة النجوم الشخصية والجرائم الجنسية أوالحرائق والفيضانات، الاغتيالات، الغرائب، الأبراج، المشاحنات بين الفنانين، وكل ما لا يصدم أحدا ولا يؤدي إلى انقسام أو تكتلات اجتماعية، وباختصار إهلاك الوقت. بل إن الاعلام في حالات غير قليلة كما يقول بورديو يقفز من تسجيل الواقع إلى تلفيق واقع آخر بالصور التي تتابع في نسق يوحي بما يريدونه، لأن مبدأ الاعلام هو جذب الانتباه فإن بورديو ينفي صفة الحياد عن وسائل الاعلام، ويرى أنها وسائل توجيه وتحكم في الرأي العام. وينتهي إلى أن من ينتج المعلومات ويسيطر على وسائل النشر هو الذي يفرض رؤيته على الآخرين، ويؤكد بورديو أن مالكي تكنولوجيا المعلومات ووسائط نقلها هم الذين يحددون اتجاهات الرأي العام ذلك ما أثبته بيار بورديو، كما اوضح كيف تمارس وسائل الاعلام الكولسة مع ضيوفها قبل بداية الحلقات!.
ولخصوصية الخطاب دور في ذلك أيضا،
فالخطاب السوسيولوجي خطاب علمي بينما تميل الجماهير إلى المحتوى التافه، هل يشاهد الجمهور المحتوى العلمي “طب، فلك، فيزياء …إلخ” أعتقد أن الإجابة هي لا، لأن الجمهور يتجه لسماع الأغاني أو الفيديوات القصيرة، كرة القدم وبرامج التسلية يريد أن يرتاح من الذي لديه إستعداد ليمنح أذنه للخطاب السوسيولوجي! فهو يعتبره خارجا عن أهدافه الذاتية، لأنه يتجه إلى المجتمع وليس إليه، فتجده مقتنع بفكرة “…خاطيتني…”، “…ماشي أنا لي نصلح المجتمع..”، “…الواحد يركز مع صوالحو…”، هذه العبارات كافية لتبين أن الناس لا يهمهم فهم أسباب الظواهر الإجتماعية لأنها لا تمسهم فمثلا تجد موظف بالكاد يكفيه راتبه الشهري لن يعطيك أذنه ليسمع لماذا يهاجر الأفارقة؟ فهذا الأمر بالنسبة إليه لا يعنيه وليس مختصا أصلا في علم الإجتماع والأمر ينسحب حتى على الطلبة المختصين في علم الإجتماع فجلهم لا يحبذون الخطاب السوسيولوجي وهدفهم من وراء إختيارهم لهذا التخصص هو الحصول على الشهادة التي قد يحصلون من خلالها على وظيفة في يوم من الأيام لتنقطع صلتهم بعدها بهذا العلم هذا بالنسبة للمختصين بينما عند الجمهور غير المهتم بعلم الإجتماع فهو غير قابل ليسمع خطابا إجتماعيا بالمفهوم العلمي، لأنه ليس متخصصا في هذا المجال، ويفضل المعلومات السطحية البسيطة التي لا تتعب عقله وهذا ينسحب على كافة العلوم حسب تجربتي الشخصية. فمن الذي يسمع تحليلات بيولوجية؟ فقط جزء من أهل الإختصاص والأمر مع علم الإجتماع لا يختلف. بينما التنمية البشرية تتوجه للفرد لذلك يستمع إليها الناس فهي بمثابة مرشد لهم في ظل عالم يتسم بالفردانية وغياب سلطة الجماعة التي كانت موجهة للأفراد في وقت مضى ولازالت في بعض الأماكن وبقلة هي ليست قاعدة بل إستثناء والإستثناء لا يقاس عليه خصوصا ان الإنسان المعاصر ملول، متذمر، لم يعد ينتمي إلى أي شيء، لم تعد القناعات أو المبادئ أو الفكر أو القيم تعني له أي شيء، انحرافات النظام العالمي أخذنا إلى موقعه.
نريد الوصول إلى الرغبات والشهوات بسرعة، جنس سريع، عشق سريع، حب سريع، علاقات سريعة، أكل سريع
عندما تنظر في عيون الناس تراها زائغة تبحث عن شيء مجهول، تراه كائن ضائع ويبحث عن نفسه في هذا الضياع
إنه في حالة هروب من كل شيء ومن لا شيء، يريد أن يقطف الجمال من خارجه. الجمال الشكلاني يغريه، الاستهلاك يغريه، التبعية دون تفكير تغريه، ويكره التفكير أو المعرفة . بل لا تهمه المعرفة.
بعضهم يذهب إلى أقصى الماضي وبعضهم يعيش في الحاضر كجسد من أجل التوازن المهزوز.
البعض يتعلق بالواجهات الخارجية، والأضواء اللامعة الساحرة، كرمز للانتماء إلى ما تنتجه هذه الحضارة، دون أي انتماء، ولنسميه انتماء خارج.
مات الحب، مات الجمال في داخل الإنسان، أنه يركض وراء السراب ليمسكه، مع علمه ويقينه أنه سراب.
فقد الناس أي إحساس بالامتلاء أو العطاء، الكل يريد أن يأخذ ويأخذ، شهوته لم تعد له، لم تعد تعطيه الثقة بالنفس، لم تعد تملأ عقله وقلبه بالحقيقة، يريد الجديد والجديد ، لهذا يذهب للبحث عنها في الاستهلاك المنظم عبر أجهزة تعمل على تمييع تكوينه العقلي والنفسي وتحول إلى شيء او سلعة
يذهب إلى المكان الذي يحوله إلى شخص تافه.ورخيص.
ولأن وسائل الإعلام تدرك ذلك سواء بوعي أو عن غير وعي فهي تقدم برامج التنمية البشرية وتطوير مهارات الذات وتقصي الخطاب الذي لايحصل على تفاعل ولا يجلب انتباه الاشخاص
وبهذا يهمش الخطاب السوسيولوجي النقدي فالفرد المعاصر غارق في الاستهلاك ولا يهتم بالخطاب الذي يزعجه و تحت طائلة التهميش و الوصم الاجتماعي وفي حضرة الصمت، يتحول الباحث السوسيولوجي في الى مجرد لاعب في ملعب بلا جمهور، قد يتفنن ويسجل الاهداف ويصل الى نتائج مهمة لكن لا جمهور يرى او يقرأ النتيجه بلا حفاوة بلا انتقاد بلا منافسة يتحول محراب الباحثين وفضاءات الابداع وجلسات المناقشات والسجلات الفكرية الى محاضر تحتويها الرفوف ويستوعبها الاهمال في اقصى صوره فالاهمال الاجتماعي لمنتجات الباحثين ظل حائلا امام الاستفادة من خبراتهم.
Discussion about this post